لا يشك المراقب للتطور الذي شهده المغرب في العشر سنوات الأخيرة، أن بلادنا تجري بخطى حثيثة نحو الانفتاح الشامل على الدول الغربية، انفتاح يضع مقومات الهوية والدين في مهب العواصف والأعاصير، انفتاح يجعل المواطن المغربي المسلم يتملَّكه الخوف على دينه وعرضه، هذا المواطن المسكين الذي أصبح في سنوات الانفتاح هذه يعيش في رعب دائم ووجل مستمر على بناته وأبنائه من واقع منفتح على كل رذيلة وفسق، يرسل فلذات كبده إلى مدارس وجامعات محفوفة بكل دواعي الانحراف والفساد، فكيف لا يعيش في وجل وخوف دائمين وهو يعلم أن المخدرات و”القرقوبي” يباعان في أبواب المؤسسات التعليمية، وأن أكبر نسبة للحمل من الزنا هي في صفوف المراهقات.
إن تجليات الانعكاسات السلبية للانفتاح على الغرب أخذت تكتسي خطورة كبيرة على مستوى العقيدة والأخلاق، مما جعل أغلب المغاربة الغيورين على دينهم يفقدون أي أمل في الإصلاح، خصوصا مع هذا الصمت الرهيب للهيئات الرسمية للعلماء، فبالأمس القريب نظم عيد للخمور بمدينة مكناس دعت إليه القنصلية العامة الفرنسية وأقيم في أحد المآثر التاريخية ذات رمزية خاصة في الذاكرة المغربية “قصر المنصور”، وكأننا مازلنا في أيام الاحتلال، فمرّ الأمر بالنسبة للمجلس العلمي بمكناس وكأن شرب الخمر لا يخالف الدين الإسلامي.
ولم يهدأ غضب المغاربة ولم تخبوا الحرقة في أكبادهم بعد، حتى انفجرت فضيحة القصر الكبير وانفجرت معها صدور أهل المدينة غضبا على استفحال ظاهرة الشذوذ، فخرج الآلاف منهم يحتجون على ذلك، وفي غياب كامل للسادة العلماء قامت التلفزة العلمانية “دوزيم” كعادتها بدورها في دعم الفكر العلماني مادام حراس الدين والهوية آثروا البقاء في غياهب الصمت، واستمرؤوا تحييدهم من طرف من يهمهم أن يخلو الجوّ لدعاة الانفتاح.
لقد جرَّأ الغياب الكامل للعلماء عن الساحة الكثير من السفهاء على المجاهرة بدعم الرذيلة وترويجها، كما وقع في برنامج “مباشرة معكم” الذي جمع فيه مُعِدّه مجموعة من العلمانيين يدافعون عن الشذوذ والشواذ على مسمع من كل المغاربة وعلى قناة تموَّل من جيوب المغاربة المسلمين، مطالبين بالتعامل مع فئة الشواذ بشكل حضاري.
فأي حضارة يحيلنا عليها العلمانيون كي نقتبس أسلوبها في التعامل مع الشواذ؟
وهل يعترف العلمانيون بحضارة فوق وجه الأرض غير الحضارة الغربية؟
أم أن المغرب في نظر العلمانيين أكثر حضارة من بلدان أوربا التي قننت الزواج المثلي؟
ألا يدعو العلمانيون في المغرب ليلا ونهارا إلى إعادة قراءة نصوص القرآن والسنة وفق الثقافة الكونية: ثقافة الأمم المتحدة؟
ألا تدعو الأمم المتحدة إلى عدم التمييز بين الناس حسب ميولاتهم الجنسية، وتعترف بحقوق الشواذ في الزواج، وتدعو الدول إلى احترام شذوذهم وسن القوانين لحمايتهم؟
فإن كان الأمر كذلك وهو كذلك بالتأكيد، فإن العلمانيين في المغرب كما أزاحوا الولي من عقد الزواج لن يرتاح لهم بال حتى تسن قوانين تشرع الزواج المثلي. فالله الله في دينه يا علماءنا الأجلاء فأنتم ضمير الأمة وعقلها.
إن سياسات الانفتاح التي يطبقها المغرب لتفادي السكتة القلبية والتي من أجل إنجاحها تكمم أفواه العلماء لكيلا تخوض في القضايا الدينية ذات الصلة بالاقتصاد أو السياسة العامة، هي نفسها التي سوف تصيبه بسكتة دماغية مهلكة، فلن تكون الدول الغربية بالغباء حتى تدع بلدا كالمغرب يتجاوز عتبة الفقر باستثماراتها، حتى تعلم علم اليقين وترى بعين اليقين أن أبناءه قد مسخت هويتهم، وانطفأت جذوة الدين في قلوبهم، فأصبحوا علمانيين يعبدون الحرية الفردية فيقبلوا بالشذوذ والسحاق، وتتساوى لديهم معاني العفة والطهر مع معاني الرذيلة والفسق، ويكفرون بحق الإله سبحانه في التوحيد والعبودية فيتساوى لديهم الإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، أو ليس هذا ما تدعو إليه الأمم المتحدة التي أنشأها الغرب المحتل لعولمة العلمانية؟ أو ليس هذا ما يدعو إليه العلمانيون بالمغرب جهارا نهارا على صفحات جرائدهم ومجلاتهم وعبر القنوات التلفزية والإذاعية..
إن كل العلمانيين الذين يعتبرون أن تعاليم الإسلام قد أصبحت متجاوزة في ظل ثقافة حقوق الإنسان حري بهم أن يتأملوا ويتفكروا في قول الله سبحانه وتعالى: “إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ، لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ، لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ”.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
السبيل