كيف التوفيق بين قوله تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} والآيات الدالة على العداوة والبغضاء بين أهل الكفر؟
يقول الله تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض}، والولاية النصرة والمؤازرة، وكما هو معلوم أن الاسم الموصول من ألفاظ العموم، فالوصف عام للكافرين، فبعضهم يناصر بعضا ويواليه ويسانده ويعينه.
كما قال تعالى في آية أخرى: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}-الجاثية-، وفي مقدمة هؤلاء الظالمين الكافرون كما قال تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}-البقرة-.
يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى:”(والذين كفروا)، بالله ورسوله-صلى الله عليه وسلم- (بعضهم أولياء بعض)، يقول: بعضهم أعوان بعض وأنصاره”.اهــ.
وقد أخبر جل في علاه عن العداوة والبغضاء بين أهل الكفر والضلال في مواضع من كتابه، من ذلك قوله سبحانه: “وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ” -المائدة:14-.
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: “أي: سلطنا بعضهم على بعض، وصار بينهم من الشرور والإحن ما يقتضي بغض بعضهم بعضا ومعاداة بعضهم بعضا إلى يوم القيامة، وهذا أمر مشاهد، فإن النصارى لم يزالوا ولا يزالون في بغض وعداوة وشقاق.”.اهــ.
وقال تعالى: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ“.-البقرة-.
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: “وذلك أنه بلغ بأهل الكتاب الهوى والحسد، إلى أن بعضهم ضلل بعضا، وكفر بعضهم بعضا، كما فعل الأميون من مشركي العرب وغيرهم. فكل فرقة تضلل الفرقة الأخرى” اهــ.
فكيف التوفيق إذا بين قوله تعالى: “والذين كفروا بعضهم أولياء بعض“، والنصوص التي تدل على عدم الموالاة بينهم بل العداوة والبغضاء والتحاسد والتدابر والتضليل القائم بينهم؟
ومن وجوه التوفيق والله تعالى أعلم:
– أن تلك الموالاة والمناصرة والمؤازرة بين أهل الكفر والإلحاد وأهل الضلال والعناد إنما هي في وجهة واحدة ألا وهي وجهة الإسلام وأهله، فالكفار رغم ما بينهم من بغضاء وتحاسد وعداوة وتدابر لكنهم حينما يتعلق الأمر بعدوهم المشترك وعدوهم اللدود فإنهم يكونون يدا واحدا وينسون أو يتناسون كل تلك الخلافات والعداوات القائمة بينهم لأن العدو واحد والهدف واحد وهو القضاء على الإسلام وأهله فلا مناص من أن يناصر بعضهم بعضا ويؤازره ويعينه…
فيصبحون أمام عدوهم على اختلاف مللهم كالملة الواحدة، وكما يقال: (الكفر ملة واحدة).
وهذا الأمر مشاهد للعيان فإن أهل الكفر والطغيان يتكالبون على أهل الإسلام كالذئب الجوعان.
وقد تحقق فينا قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:” يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”…
وعلى هذا لا يبقى تعارض بين الآيات السابقة الذكر.
– أن تلك الموالاة والمناصرة تكون عند تحقيق مآرب بعضهم ومصالحهم، فهم أهل نفاق ومكر وخداع ومن أجل المصلحة يتناسون كل ما بينهم من الخلافات والصراعات…
وهذا كذلك أمر مشاهد.
ولعل الوجه الأول أقوى.
والله أعلم وأحكم.