كان عجبي كبيرا جدا حينما اختار الأوكرانيون، أو قل أغلبهم، رئيسا يهوديا، مهرجا، ثم اندفع ذلك بعد مراجعة أصول القصة، وهي قصة عجيبة، ينبغي قراءتها، سريعا!
كثير جدا من المسلمين لا يعرف أن “الآباء المؤسسين” لدولة الاحتلال الصهيونية كانوا من أوروبا الشرقية، من اليهود الموصوفين بـ”الأشكناز“، وهي طائفة يكثر فيها “الغلو“، ففيهم الباطنية المؤمنون بوحدة الوجود وتناسخ الأرواح، وفيهم ملاحدة، نعم ملاحدة يكفرون بأنبياء بني إسرائيل، لكن ثقافتهم وتربيتهم يهودية، فقد كان “مناحم بيغن” من روسيا البيضاء، بولندي النشاط الصهيوني، وكان “دافيد بن غوريون” من بولاندا، وكان “موشيه شاريت” من أوكرانيا، وكان “ليفي أشكول” من أوكرانيا، وكانت “جولدا مائير” من أوكرانيا، ولهذا دلالات خطيرة ومهمة، وخلاصتها، أن الصهيونية، أوكرانية بولندية، ولابد أن “بولاندا” و”أوكرانيا” بقيت وفية للعهد الصهيوني، منذ الحرب العالمية الثانية، فرئيسها اليوم من كبار “الصهاينة“!
كان من المعقول أن تشغلنا أحداث الغزو الروسي لأوكرانيا، عن “القضية الفسطينية“، وعن “تسارع عمليات التطبيع السياسي بين دولة الاحتلال الصهيونية وبين كثير من الدول الإسلامية، لكن العكس حصل، فصارت “القضية الفلسطينية” جزءا من أحداث الحرب، وصارت أحداث الحرب جزءا من القضية الفلسطينية، بل انكشفت أحداث مؤكدة لهذا التداخل، فقد عرض الساسة الصهاينة على اللاجئين الأوكرانيين أن يلجؤوا إلى “إسرائيل” للإقامة في “المستوطنات” الجديدة في المنطقة “ج”، وهذا دال على قوة الصلة التاريخية والسياسية، بل والاقتصادية والاجتماعية، فجزء كبير من “قمح الإذلال العالمي” ينتج في “أوكرانيا“، ولهذا دلالته أيضا!
سيرتفع ثمن “القمح” في “الضفة الغربية“، وسيثور الفلسطينيون، وسيحاول الصهاينة إشعال ذلك أكثر، باستفزاز الفلسطينيين، وسيظهرون للعالم أن “الحكومة العباسية” لا تستطيع ترويض “فلسطينيي الضفة“، وأن “فلسطينيي الداخل مثلهم، لا يمكن ترويضهم، بل إن النمور الديمغرافي مخيف، ولابد من إعادة لسان الميزان إلى موضعه من الرجحان الصهيوني.
لا يزال “توقع زوال إسرائيل” الذي نظَّر له الأستاذ “بسام جرار” منذ عقدين من الزمان يشغل الرأي العام، الصهيوني قبل الإسلامي، واشتد ذلك عند بدء هذه السنة، أي 2022 الميلادي زعموا! ولابد أن “الساسة الصهاينة” يأخذون هذا على محمل الجد، وكثير من “الأحداث” و”القرارات” تؤكد ذلك، ومقالات الباحثين الصهاينة تشتغل على التحليل والترقب، و”بسام جرار” مستمر على شرح توقعه والاستدلال له يوما بعد يوم، حتى لقد صار ذلك شبه يقين، وهو ما يزيد من جدية “القولة“!
لم يكن “الإنجيليون الأمريكيون“، المؤمنون منهم والصهاينة الملحدون ليفوتوا الفرصة، فلإن كانت “إسرائيل” قاعدتهم في الشرق الأوسط ضد العرب والمسلمين، فأوكرانيا كانت في طريقها لتكون إسرائيل ضد روسيا، كما هي “تايوان” ضد التنين الصيني، ولذلك بادروا إلى إعلان الدعم لأوكرانيا بالمال والسلاح كما يفعلون مع “إسرائيل” و”تايوان“، ولا يريد أحفاد الآباء الأمريكيين المؤسسين أن يورطوا أنفسهم في هذه الحرب، فالمحارب عنهم بالوكالة موجود، ولا تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية تدخلا مباشرا إلا عند عجز “الوكيل” كما في الحربين العالميين الأولى والثانية، وقد تبادر بنفسها، لكن تحشد معها غيرها كي لا تتحمل وحدها ثقل الحرب وآثاره، ومثاله الحرب العالمية الثالثة ضد العراق، وهي أشبه بالثانية في بدايتها، فقد اجتمعت دول كثيرة ضد دولة واحدة، كما اجتمعا ضد ألمانيا عند أول عهد الحرب، وها نحن على مشارف الحرب العالمية الرابعة!
إن ما نسعى إليه حثيثا هو “صناعة الوعي“، وتصحيح مسالك القراءة، بالرجوع إلى القوانين الربانية، والسنن الكونية القرآنية، وأية محاولة لقراءة التاريخ والأحداث بغير ذلك آيلة إلى “إفساد القراءة ونتائجها“، ونحن اليوم في حاجة أكبر إلى “نشر الوعي السنني“، كي نستطيع تأهيل العقل الإسلامي، في السوق والإدارة العمومية والمستشفيات والمؤسسات التعليمية والسياسة ليكون قارئا جيدا، حسن التفاعل والتأثر والتأثير، بل نريد أن نرقى إلى مستوى “المبادرة“، والطريق إلى هذا قد يكون طويلا، وقد يكون قريب المنتهى أيضا.
والمهم في كل هذا، هو أن العالم على مشارف عهد جديد، يكنس “قواعد النظام” الذي كان يقال إنه “جديد“، فالأحداث متسارعة متتالية، ولم يعد في إمكان أية “استراتيجية” دولية أن تحاذيها بانتظام، فها هو الدب الروسي يفشل محاولة إقامة “دولة مشاغبة” على حدود الاتحاد الروسي، وها هو الدب الروسي “يجازى على مجازره في سوريا“، وكذلك بعض الشعب الأوروبي لسكوته على “الكارثة السورية“، وها هم يعيشون “اللجوء” و”الخوف من الصواريخ والقنابل“، وإنما الفرق الذي استطعت ملاحظته بين السوريين والأوكرانيين، أن الأوكرانيين لم تلق عليهم “براميل” بعدُ! بل كان ما يلقى عليهم “أشد فتكا“!
لا أحد يستطيع التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، أو بعضها، كما فعل “بسام جرار” بالأرقام، ومهما توفرت مراكز البحث والدراسات الاستراتيجية الأمريكية وغيرها على آلاف المعلومات، فإن الأمر مشكل جدا، ولا يمكن قراءته إلا من طريق “القرآن الكريم“، خاصة في شهر رمضان الكريم، والمشكلة الكبرى عندنا، عدم “وجود إرادة سياسية“، قد تكون “كامنة” لكنها “ممنوعة“، ويكفي لتحريرها “حدث كبير“!
مقالي هذا يبدأ في “فلسطين“، ويمر من “مصر الفراعنة“، ثم عبر “عراق الخلافة العباسية” المدمر، وعينه على “شيعة إيران” ومشروعهم التوسعي الشيعي، ثم روسيا “بوتين ودوغين“، ومشروعهما الأرواسي، ثم عبر “أوكرانيا“، إلى “باريس“، و”الصحراء المغربية“، ثم عبر طرابلس ليبيا، ثم “صحراء الحجاز وتهامة“، و”اليمن المنكوب“، ثم الحط في فلسطين مرة أخرى، فهي القضية الكبرى عندنا، يعرف هذا، من يعرف سبب “إقامة دولة إسرائيل” في فلسطين، ويعرف أن سقوط إسرائيل يعني بداية تحول كبير في جهات مختلفة، في الاقتصاد والسياسة… وهناك شيء ما يقترب.. هناك، في أرض الشام، وقد يكون له هذه المرة أثر كبير هناك، حيث لا يتوقع أحد هناك في أرض العام سام! والله المستعان.