ألغت المحكمة الأمريكية العليا قرار الحق في قتل الجنين، وقضت بأنه لم يعد هناك “وجود دستوري للمرأة للقيام بعمليات الإجهاض”.
وقد أصاب القرار الأمريكي الصادر قبل أيام الإجهاضيين المغاربة بخيبة أمل كبيرة، حيث صرَّح شفيق الشرايبي، رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض، بأن القرار الأمريكي بكل تأكيد ستكون له تأثيرات سلبية وسيفرض نفسه في كل النقاشات المتعلقة بقانون الإجهاض، وسيكون سلاح مناهضي تقنين الإجهاض.
وأضاف طبيب الولادة الذي يرفع لواء المطالبة بحق التخلص من الأجنَّة في الأرحام، في حوار مع “الصباح”ّ، بأن “المحافظين الرافضين لتقنين الإجهاض بالمغرب، سيقدمون في مناظراتهم المثال الأمريكي المتعلق بإلغاء الحق في الإجهاض، سيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر من الدول المتفتحة، التي تمنح الكثير من الحقوق للنساء”.
وتخوف الشرايبي من استدلال من وصفهم بـ”المحافظين” بالتراجع الأمريكي عن إباحة الإجهاض يبعث حقيقة على الاستغراب والريبة، حيث أن الفصيل المدافع عن “قتل الأجنة في الأرحام” ما فتئ يستدل بالدول الغربية المتقدمة لتعزيز مطالبه، ويجعلها مثالا وقدوة لباقي دول العالم؛ من أجل فتح باب الإجهاض على مصراعيه، فلماذا التخوف والتنكر للأسباب التي جعلت “أمريكا الليبرالية” تتراجع عن قتل جنين لا ذنب له ولا جريرة.
يجب على د.الشرايبي وكل الإجهاضيين المغاربة أن يعلموا جيدا، أن المناهضين للإجهاض من عموم الشعب المغربي، بما فيهم الدكاترة والسياسيين وعلماء الاجتماع والباحثين والشرعيين.. وغيرهم لا يقفزون على الواقع حين يناقشون هذا الموضوع، ولكنهم ينظرون إليه من زوايا متعددة، ويضعون نصب أعينهم عددا من المعطيات المهمة والمؤثرة، أبرزها الحق في الحياة الذي كفلته كل الشرائع السماوية والوضعية أيضا، سواء بالنسبة للجنين أو الأم.
وما دام الإجهاض، بالنسبة لمن يتبنى المرجعية العلمانية، هو الحل الأخير للتخلص من جريمة الزنا، فعلى من يفتح الباب للحريات الفردية دون قيد ديني أو أخلاقي أن يبحث عن مخرج، بعيدا عن القتل وتقطيع الأطراف، والفتك بروح بريئة، مع تعريض صحة الأم لمخاطر نفسية وجسدية خطيرة.
وإذا كانت أمريكا الليبرالية قد راجعت قوانين الإجهاض ومنعته، فلماذا لا يمنعه المغرب وهو دولة إسلامية بنص الدستور، ولماذا تثور ثائرة اللادينيين حين تعبر المؤسسة الدينية الرسمية المتمثلة في المجلس العلمي الأعلى عن موقفها بشكل واضح وجلي من الإجهاض.
ملحوظة لها علاقة بما سبق:
يعد الدين عنصرا مركزيا في نقاش الإجهاض، والدول الإسلامية بما فيها المغرب، تمنعه انطلاقا من هذا الأصل المهم، والسيد شفيق الشرايبي في إحدى مشاركاته الإعلامية، لما واجهته مقدمة برنامج “بدون حرج” على قناة “ميدي 1” بأن المغاربة يرفضون الإجهاض، أجابها بقوله: “لأنهم يرجعون إلى مشكل الدين.. وليس هناك آية تمنع من إجراء عمليات الإجهاض”.
أولا؛ الدين سيدي الكريم الدين ليس مشكلا ولا مشكلة، وإنما هو إطار محدد ومنهج حياة يلتزمه المسلم، وقتل الجنين لأسباب اجتماعية أو اقتصادية (خشية الفقر) حرمه الله بجلاء في كتابه؛ فقال سبحانه: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً).
وثانيا؛ لقد أخذ الله على المرأة المسلمة، قبل أكثر من 14 قرنا، عهدا بأن لا تزني ولا تقتل أولادها بإجهاض أو غيره؛ فقال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ“.
فهل يعقل أن يأمر الله بأمر، بهذا الوضوح والجلاء، ونعارضه نحن بتعليلات من هنا وهناك، هذا سلوك لا يليق لا بالدكتور الشرايبي ولا بمن يدافع معه عن إباحة الإجهاض في المغرب.