جوامع الكلم في القرآن الكريم حسن بنعباس

الكلمات الدالة على الحقيقة والمجاز في آن واحد:
من الشواهد على ذلك ما يلي:
1ـ قوله تعالى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى البقرة:197.
سبب نزول الآية:
أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى:”وتزودوا…”
والتزود المأمور به في الآية له معنيان عند المفسرين:
أحدهما: مبني على سبب النزول، وهو المعنى الظاهر لقوله “وتزودوا”، أي التزود بالطعام للسفر والحج، وعليه أكثر المفسرين.
فالتزود على هذا المعنى حقيقي.
والمعنى الآخر: مجازي؛ فالمراد بقوله: “وتزودوا”: هو التزود بالتقوى والعمل الصالح، ودل عليه قوله: “فإن خير الزاد التقوى” ورجحه ابن عطية.
والأولى حمل الأمر بالتزود على معنييه الحقيقي والمجازي.
قال ابن القيم: “وتزودوا فإن خير الزاد التقوى” فذكر الزاد الظاهر والزاد الباطن، وهذا زينة القرآن الباطنة، المضافة على زينة ألفاظه وفصاحته وبلاغته الظاهرة( 1).
قال جمال الدين القاسمي: “فإن خير الزاد التقوى” أي: الاتقاء عن الإبرام والتثقيل عليهم (أي على الناس) وقال ابن عمر: إن من كرم الرجل طيب زاده في السفر، وكان يشترط على من صحبه الجودة.. نقله ابن كثير.
ويقال في معنى الآية: وتزودوا من التقوى للمعاد، فإن الإنسان لابد له من سفر في الدنيا، ولابد فيه من زاد، ويحتاج فيه إلى الطعام والشراب والمركب، وسفر من الدنيا إلى الآخرة، ولابد فيه من زاد أيضا وهو تقوى الله، والعمل بطاعته، واتقاء المحظورات.. وهذا الزاد أفضل من الزاد الأول، فإن زاد الدنيا يوصل إلى مراد النفس وشهواتها، وزاد الآخرة يوصل إلى النعيم المقيم في الآخرة… وفي هذا المعنى قال الأعشى:
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمـثله وإنك لم ترصد لما كان أرصدا
وثمت وجه آخر: وهو أن قوله تعالى (وتزودوا) أمر باتخاذ الزاد هو طعام السفر، وقوله: “فإن خير الزاد التقوى” إرشاد إلى زاد الآخرة وهو استصحاب التقوى إليها بعد الأمر بالزاد للسفر في الدنيا، كما قال تعالى: “وريشا ولباس التقوى ذلك خير” (الأعراف:26). لما ذكر اللباس الحسي نبه مرشدا إلى اللباس المعنوي وهو الخشوع والطاعة، وذكر أنه خير من هذا وأنفع(2 ).
—————————-
(1 )ـ جوامع الكلم وشواهد الإعجاز ص:142
(2 )ـ محمد جمال الدين القاسمي “محاسن التأويل” ط دار الفكر ط 1/2005 ج 2 ص: 484

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *