(مشكلة الحركة الإسلامية بمختلف تلاوينها مع الفن هي مشكلة حقيقية وليست مصطنعة، الإخوة ورغم كل العبارات المنمقة التي يختارونها حين الحديث عن هذا الموضوع يتفقون في الختام على أن الفن حرام؛ وعلى أن المهرجانات مضيعة للوقت وللجهد وللعقل ولكل شيء، بل ويربطون باستمرار بشكل ظالم بين المهرجانات الفنية وبين بعض الظواهر السلبية التي تحدث في محيطها مثل احتساء الخمر علنا أو التدخين المخدرات أو التحرش الجنسي أو غيرها، وهو ربط ظالم باختصار لأنه لا يعقل أن نطالب بمنع كرة القدم مثلا فقط لأن مشاغبين قاموا بتكسير أو تخريب ممتلكات خاصة أو عامة خلال مباراة للكرة، ولا يعقل أن نحمل تظاهرة فنية يشرف عليها أناس بتفكيرهم وعقلهم وجهدهم من أجل برمجة جيدة وزر ظواهر سلبية شخصية يقوم بها آحاد معدودون).
هذه السطور ورغم ثقل حملها الموبوء على صفحات جريدتنا السبيل آثرت أن أنقلها تامة غير مجتزأة؛ وحدة غير ناقصة؛ مستقلة غير تابعة؛ مطلقة غير مقيدة، وناقل الفسق ليس بفاسق كما أن بساط نقله طاهر لا ينجس قلتيه حدث.
هذه السطور لواحد من أهل الإفك والتربيض؛ واحد من أولئك الذين جردوا أقلامهم المتسفلة في النقيصة من غمد حقدهم وكمدهم على ديننا العظيم؛ وكل من انتسب إلى عرينه الفاضل؛ واحتمى بفيئه الوارف من رمضاء تهتك المسرفين وفسق المترفين.
إنه واحد من أصحاب الأعمدة المأجورة والمعارة حيث البضاعة مزجاة والكيل كيل تطفيف، هذه السطور قد يقرؤها الساهي ويتصفحها اللاهي فلا يكاد يقف على ما وراء أكمة كلماتها المدخولة؛ ونوايا أصحابها الذين إذا اكتالوا لأنفسهم يستوفون ويستزيدون؛ وإذا كالوا الناس يفرطون ويخسرون.
إن صاحب هذه السطور وجوقة الرخويات التي ينتمي إليها جوقة عصيد ولكحل والهادف وجمال زايد وبوسريف.. وهلم سحبا، وكما زلت أذكر يوم أن فسر شيخ عالم جليل آية من آيات الذكر الحكيم في باب ما بات يعرف بضجة (زواج بنت التسع) التقت أقلامهم وتجردت سواعدهم ونضبت محبرات حبرهم الفاقع السواد في محاولة منهم لربط كلام الرجل المبثوث في كتب التفسير، وقضية الحكم الجائر القاضي بإغلاق دور القرآن، لازلت أذكر تلك الحملة الشعواء التي أقامها هؤلاء؛ والتي بلغ مداها أن ذهب بعضهم إلى اتهام بيوت الله بتفريخ الإرهاب والتطرف الفكري.
لقد التقى ماءهم الحارق على هذا الأمر المقدور، وها هو واحد منهم طال عليه الأمد فنسي أو تناسى وهو يؤسس لقواعد مطردة في السببية والتناسبية، قواعد جعلته يرى من الظلم أن يقوم الإسلاميون في تعاطيهم مع قضية الفن؛ بربط المهرجانات الفنية ببعض الظواهر السلبية التي قد تحدث في محيطها؛ فيعللون في ربطهم الظالم بين هذه التظاهرات التي يشرف عليها أناس فضلاء وعقلاء؛ وبين قضية التحريم والإمساك عن إقامة سرادق الموازين وأخواتها المائوية.
إننا لما بلونا أخبارهم أبصرنا ظواهر حربائية مموهة؛ وكشفنا سرائر مشبوهة مبغضة سامتنا سوء العذاب؛ وأذاقتنا مرارة الأعطاب؛ وهم اليوم بعد أن تكفل الله بفضح أمرهم نراهم قد لجأوا إلى العوام يستصرخونهم باسم الغيرة على الفن، ويستجدونهم باسم الجمال ومكتسبات القيم الحداثية التي لم تعد على البلاد بعائدة، ولم ينحبر للشعب منها جدوى ولا فائدة، اللهم ما أغدقه أولئك العقلاء الفضلاء على المخنثين من أهل المغنى وذوات الأرداف أخوات شاكيرا وهيفاء والقائمة طويلة..
إغداق سبب ويسبب نزيفا حادا في مخزون حاويات المال العام في مغرب تحاصر فيه الثلوج الفقراء والمساكين ويموت الأطفال والشيوخ والنسوة تحت وطئة فقر يكاد يكون كفرا وصقيع يكاد يكون بحرا..
مغرب يبضع فيه التعليم والصحة؛ وتضارب في محيطه الشركات العملاقة فتبيع للمواطنين ماء السماء والكهرباء والدواء، ويحتكر فيه الأعيان رخص استغلال البر والبحر والفضاء..
مغرب لا يكاد مصلح غيور يضع لبنة بناء حتى ينبري له هادم مبطل مماحل، ورويبضة مجادل، فينقض ما بنى، ويهد ما شيد، ويتبر ما علا تتبيرا، كل ذلك باسم الحداثة والعلمانية وأسماء أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.
وعلى هذا وبه تتلاقى أجسامهم، وتسعى أقدامهم، وتمكر أقلامهم، فلا تستغرب ولا تعجب إذا كان أمثال هؤلاء في واجهة الأدب والثقافة والاقتصاد والسياسة من هذا الذي وقع ويقع من انحطاط وتدهور مريع بعد ذلك الترقي والارتفاع السريع الذي عاشه أجدادنا يوم كان المستعمر وقد أنهكته مقاومة الرجال يطلب الهدنة تلو الأخرى.
فيا ليث شعري؛ أين أولئك من هؤلاء الذين أفقدهم الحياء مروءة الانتساب إلى هذا الوطن العزيز على الحق والصدق، واسمع لأحدهم في واحدة من عصائده وهو يترجم حنينه إلى أيام فرنسا بعجرها وبجرها
“..فأقبل الناس على كل إبداعات الحياة العصرية بنهم، وانخرطوا في عصرهم بشكل حاسم ونهائي لا رجعة فيه، وبما أن الدولة أصبحت دولة مؤسسات عصرية تم إرساؤها في عهد الاستعمار، وورثها المغاربة بعد استقلالهم، فقد وجد الفقهاء أنفسهم على هامش هذه الدولة..”.
واسمع لآخر وقد عنون مقالته: “أعياد وهابية في الأفق”؛ متهكما على ما اقترحه أحد الغيورين بتخصيص يوم وطني للعفة والحياء؛ “يوم وطني للعفة والحياء أول الغيث قطرة هكذا تكون دائما البدايات”.
وفي باب التحذير دائما نشرت لفافة الأحداث بيانا للحداثيين العرب بعنوان “حتى لا يأكلنا الظلام”، فأي ظلام يا ترى يقصده القاصدون؟ أظلام الفساد والإفساد والانحلال الخلقي ومظاهر الإباحية والمشاعية والشذوذ والترويج لمنتوج الاحتيال وبضاعة الكيد والمحال التي أغرقونا في فتنتها، التي لم يسلم منها الصغير والكبير إنما جاءت وكانت كما أخبر بها الصادق المصدوق: أيام خداعات يخون فيها الأمين، ويستأمن الخائن، ويصدق فيها الكاذب، ويكذب الصادق، ويتكلم الرويبضة، المترف التافه في شؤون الجماعة؟!
أم هو ذلك الظلام الذي أعشته إشراقة فجر الإسلام وبزوغ شمس حضارة، مجتمع السلف الصالح ذلك الرعيل الذي عاش في ظل حكمه وتذوق في كنف سلطانه البعيد قبل القريب؛ والغريب قبل الحبيب؛ معاني العدل وتمثلات الفضل، بل وكان سلف الرجل الأبيض الذي يرسم على ظهره اليوم حداثيو الجلدة وعلمانيو الصخرة الصلدة لوحتهم السريالية؛ كان يدفع الجزية عن يد صاغرة حفظا لماله وعرضه وبنيه وفصيلته التي تأويه.
واسأل العادين عن تلك الأمة التي خلت؛ أيما كسب كسبت؛ وأيما غنيمة اكتسبت؛ أولئك هم أبائي حقا فسموا لنا آباءكم وأندادكم من دون الله ورسوله.