1-“ممثل عالمي” في ثانوية مغربية.. هل من رقيب؟ḷ
للمدارس حرمات يجب أن تحفظ، وبقدر ما تمنَح المدارس الخاصة حيزا من حرية التصرف في أنشطتها وبرامجها، فإنه من غير المسموح لها تجاوز الحدود في هذا الحيز.
التربية أمانة، وهي مسؤولية دولة، لتحصين مجتمع. واجب المدراء التربويين استحضار هذه الأبعاد في ممارستهم لمهامهم، مهما كانت الأهداف الربحية لأصحاب المؤسسات الخاصة، أو ميولاتهم وميولات غيرهم الثقافية. التربية عملية إيديولوجية خاضعة لخصوصية ثقافية، لا لأهداف ربحية أو ميولات خاصىة هنا وهناك.
يأتي هذا الكلام تفاعلا مع “صور تداولتها عدد من الصفحات والمجموعات التربوية على “فيسبوك”، قيل إنها لممثل عالمي أثناء زيارته لثانوية الأمير مولاي رشيد بشفشاون”، بهدف “تحسيس التلاميذ بأهمية الفن والسينما الهادفة في حياة التلميذ”.
لم تكن هذه الصور لتمر مرور الكرام في مجتمع لم يفقد خصوصيته بعد، ولم تنهدم قلاعه وحصونه جميعها؛ بل صرخت التعاليق غاضبة معبرة: “وَشْمٌ وحِلاقةٌ وقُرْط .. أَنْعِمْ بها قدوةً وأثرا”.
وقال معلق ثانٍ: “حضور مثل هذه النماذج للمؤسسات التربوية التعليمية تشويه للقيم والهوية والثقافة”. وتفاعل آخر: “أولا لا يحق لهذا النكرة أن يلج المؤسسة التربوية بدون ترخيص من المديرية الإقليمية، ولا يحق تصوير المتعلمين بدون موافقتهم، وخاصة أنهم قاصرون! ثم ماهي الإضافة التي يمكن أن يقدمها من لم يحترم القيم التربوية الموكول للمؤسسة السهر عليها؟”.
وهناك من “طالب بمساءلة “الإدارة عن هذا العبث التربوي الكبير”، متسائلا: “هل مثل هذا يعتبر قدوة لإحضاره للنشء؟ وهل هذا هو النموذج الذي يقدم لهم بحلقات الأذن والوشوم على ذراعه ولباس “الشورط” في القسم؟ ألم يعرف هذا المخلوق أن للفصل الدراسي حرمة وتقاليد وانضباطا؟ أين كانت الإدارة؟ وهل انعدم العلماء والأدباء والأطباء والقدوات الحقيقية لتقديمها للتلاميذ؟”.
ليست الهوية الوطنية هبة بلا سبب، وإنما هي تربية وتنشئة تبدأ من الأسرة، ثم تعمل المدرسة –منذ التعليم الأولي-على دعمها وتصحيح المعتل منها كي يوافق المصلحة العامة. فماذا نحن فاعلون إذا ضيعنا المدارس؟ بل ماذا نحن فاعلون إذا ضيعنا الأسر قبل المدارس؟
2-البيزوطاج.. ظاهرة يجب أن تقفḷ
“البيزوطاج”؛ ألعاب وأنواع من الهزل والمزاح يستقبل بها الطلبة القدامى زملاءهم الجدد في المعاهد والمدارس العليا. تتعدد مظاهر “البيزوطاج”، والجامع بينها أنها “إهانة في قالب هزلي”، تعبير عن انحطاط وسوء خلق، غياب للأفق العلمي والمعرفي، انحسار للعلوم البحتة وفقدانها لفلسفتها السديدة في الحياة.
أقرب إلى هذا التوصيف، “شهدت أسوار معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة واقعة اعتداء بالضرب في حق طالب تحت ذريعة ما يسمى ب”البيزوطاج”، وفق ما قاله مكتب الطلبة بذات المعهد”.
وعبر ذات المصدر عن “استنكاره الشديد لهذا الفعل الذي لا يمت بأي صلة لا بأعراف المعهد ولا “بالبيزوطاج” الذي يهدف إلى إدماج الطلبة الجدد وتعريفهم بأجواء العيش والدراسة بالمعهد وذلك في جو يسوده التعايش والإحترام المتبادل من أجل تقوية أواصر اللحمة الطلابية”.
وتابع مكتب الطلبة: “وعلى إثر هذه الواقعة، يدعو مكتب الطلبة الساحة الطلابية إلى التحلي بالمسؤولية وعدم تكرار هذه الأفعال المشينة التي تضر بسمعة معهدنا. ويعلن تضامنه مع الطالب المعني بالأمر مع متمنيا له الشفاء العاجل”.
واقع سيء هذا الذي تعيشه الجامعة المغربية، بقايا من الحركة الطلابية هنا وهناك، فغاب التأطير السياسي، ومعه التوعية الثقافية والتنظيم الاجتماعي، إلا ما ندر وأبقاه الله شاهدا على واقع الجامعة.
3-قول فقيه
الإسلام خصوصية مغربية، هو الإطار الجامع لكل علم أو معرفة، لكل قيمة دينية كانت أو دنيوية. أن تخصص لمادته حصة أسبوعية أو حصتين أمر مطلوب وضروري، خاصة في هذا الزمن، حيث كثرت الفتن وشاع سوء الخلق وظهرت الفواحش بين الناس.
هذا ما أغفله أو جهله بعض ضيوف برنامج “ديكريبطاج”، الذي يبث على أثير إذاعة MFM، فأدلوا بتصريحات مثيرة حول مقررات التربية الإسلامية وبعض الأحكام الشرعية.
وما كان من الدكتور مصطفى بنحمزة إلا أن رد على تصريحاتهم، عبر ذات البرنامج، بقوله: “ألاحظ أن بعض الإخوان ربما عن غير قصد يتقحّمون أشياء لا يقومون بها، أشياء فيها جانب ديني وهذا الجانب مؤطر دستوريا ودينيا”، مضيفا أن “النقاش الديني الذي يجب أن يكون من هذا القبيل يجب أن يحترم ثوابت الأمة”.
وعلق رئيس المجلس العلمي بوجدة على “الصور المخلة بالحياء والتي رُصِدت في أحد الكتب المدرسية”، بقوله: “طفلنا محتاج الى تربية سليمة”، وتساءل: “لماذا نعول دائما على الجانب الجنسي كأنه ليس من مكونات الطفل إلا الجنس؟”.
وأوضح بنحمزة أن “ما يجتمع عليه المغاربة هي الثوابت المغربية على رأسها الدين، مشيرا إلى أن هناك من يترقب التشظي وينتظره”، مؤكدا “سنبقى دائما موحدين على الثوابت المغربية لأنها تجمعنا ولا تفرقنا وإحداث الفجوة ما بين الناس لا يخدم مصلحة المغرب”.
حوار مع د. عادل بنحمزة
– س 1: هل يلعب التعليم في المغرب الأدوار المنوطة به في إصلاح المجتمع؟
بلاشك تمثل المدرسة والتعليم بصفة عامة دعامة أساسية لإصلاح أعطاب المجتمعات على مستويات مختلفة، والإنطلاقة تكون أساسا بإصلاح الفرد لأن المجتمع هو حصيلة مجموع الأفراد الذين يكونونه، لذلك تتحمل المدرسة باعتبارها واحدة من نتائج الدولة الحديثة التي جسدت على مدى عقود نوعا من المساواة بين أفراد المجتمع، دورا بارزا في تنشئة الأفراد على قيم المجتمع وكذلك القيم الإنسانية على اعتبار أنه في العصر الحالي لا يمكن توقع مجتمعات منغلقة على نفسها بل مجتمعات منفتحة ومن واجبها أن تسعى إلى تقاسم قيمها مع المجتمعات الأخرى. خاصة في زمن ثورة المعلوميات التي تجاوزت الحدود وجعلت من الرقابة جزءا من الماضي، لذلك فإن التعليم يتحمل مسؤولية جسيمة لجعل الفرد ومن خلاله المجتمع قادرا على التمييز بين ما ينفعه وما لا ينفعه، هل نجح التعليم في المغرب في ذلك أم لا؟ أعتقد أن الجواب يختصره الواقع المؤلم للمدرسة المغربية التي تعاني من اختلالات كبيرة تؤثر على وظائفها كلها وليس فقط مسألة إصلاح المجتمع أو المساهمة في إصلاحه على أقل تقدير.
– س 2: تعاقب على قطاع التعليم في المغرب عدد من الوزراء، وخضع لعدة إصلاحات، كيف تقيمون ذلك؟
مع الأسف يمكن القول أن بلادنا فشلت في تحقيق التراكمات اللازمة لنجاح الإصلاح، ببساطة لأن زمن الإصلاح يفترض فيه أن يكون أطول من زمن الوزراء والحكومات، هنا كان العطب البنيوي لعملية إصلاح التعليم في المغرب، لأن الجميع كان من جهة يلقي بما سبقه إلى سلة المهملات ومن جهة أخرى يستعجل النتائج في البرامج التي يطرحها، بينما عملية إصلاح قطاع التعليم تتطلب على الأقل استقرارا على مدى جيل كامل وهو ما لم يتحقق في بلادنا إلى اليوم، لذلك غرقنا في طقوس الإصلاح لكن الجوهر كان في الواقع مجرد نزعات تجريبية تنتقل من النقيض إلى النقيض مع كل حكومة ووزير جديدين.
– س 3: ما رأيكم في التحولات القيمية والأخلاقية التي يشهدها التعليم بالمغرب؟
التعليم بطبيعة الحال يعكس الواقع القيمي في المجتمع، مع الأسف تراجع القيمة الاعتبارية للمدرسة في المجتمع وعبرها مكونات العملية التعليمية، انعكس سلبا على قدرة المدرسة في التأثير في المجتمع، إذ عوض نقل الممارسات الجيدة من المدرسة إلى المجتمع، أصبحنا أمام نقل الممارسات السلبية من المجتمع إلى المدرسة وهذا الأمر يخص المنظومة ككل، لذلك فتلك التحولات القيمية والأخلاقية التي يشهدها المغرب هي مجرد انعكاس لواقع المجتمع في المدرسة دون قدرة هذه الأخيرة على مواجهة هذا المصير.
– س 4: ما هي الحلول التي تقترحونها ليساهم التعليم في إصلاح المجتمع؟
من الصعب اعطاء وصفة جاهزة، الأمر يتطلب الاتفاق المجتمعي على ما ننتظره جميعا من التعليم. يتطلب الأمر كثيرا من الواقعية وذلك لعدم الوقوع في أوهام، وأن لا يكون التعليم كبش فداء، ذلك أن هناك مستويات أخرى غير التعليم تتحمل يقينا جزءا من المسؤولية عن الحالة القيمية والأخلاقية في المجتمع.