قال تعالى: “وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه، فذرهم وما يفترون، ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون…” الأنعام.
قال السعدي رحمه الله: “ومن حكمته تعالى في جعله للأنبياء أعداء وللباطل أنصارا قائمين بالدعوة إليه…أن في ذلك بيانا للحق، وتوضيحا له. فإن الحق يستنير ويتضح، إذا قام الباطل يصارعه ويقاومه” اهـ.
قلت وممن أعلن عداوته لدين الأنبياء ورفع لواء النصر للباطل العلمانيون الذين ما فتئوا يضعون برامج وخطط لا هدف لها إلا تنحية دين الإسلام وإطفاء نوره من القلوب، ومن ذلك ما صرح به العلماني جهاد علاونة في مقاله “العلمانية هي الحل في العراق ولبنان وفلسطين”.
وكعادتها فقد “تشرفت” الأحداث المغربية بنشره -في العدد 3162 بتاريخ 2 أكتوبر 2007-.
1- العلمانيون يعترفون بأنهم لادينيون
يقول “جهاد علاونة” في أوائل مقاله:” فالعلماني ليس له دين رسمي يدين به.. وليس من الضروري أن يكون للعلماني دين رسمي يدين به..”.
من أكبر أهداف العلمانيين أن ينسلخ المسلمون من دينهم، فهاهم يعترفون أنهم لادينيون، فتبا لقوم هذا حالهم، ويا حسرتاه على بلد أصبحت معظم أجهزته تحت أيديهم، فكثير من الوزارات في المغرب لا تسير إلا وفق منهج علماني، فإلى الله المشتكى كيف نروم النصر والرفعة والحالة هاته؟
وكيف يعقل أن يتقلد زمام الأمور من ليس بالضروري أن يكون له دين رسمي في بلد دينه الرسمي الإسلام كما هو مسطر في دستوره، أليس هذا يعني أن ما هو مسطر شيء والواقع شيء آخر؟
وهذه للأسف الحقيقة المرة، فإن الإسلام وإن كان دين الدولة الرسمي لكن قد تم إقصاءه من طرف العلمانيين من كل مجالات الحياة، وجعلوه محصورا بين جدر المسجد الأربع.
2- بنو علمان يؤكدون أن الحل في العلمانية لا الإسلام
يقول صاحب المقال: “والعلمانية هي الحل لكل مشاكلنا وليس الإسلام هو الحل لها أو أي ديانة أخرى..”.
كيف يكون الوباء دواء؟ وكيف تكون العلمانية هي الحل لمشاكلنا وهي السبب في مشاكلنا؟
هل ما نعاني منه من معضلات وفساد، وما نراه من انتشار للحانات وما يقع من زنا ولواط وانتشار للخمور والمخدرات.. ثمرة لتطبيق الإسلام، أم حنظلة لفشو العلمانية؟
وهل ما ابتلنا به من تبرج سافر وعري صارخ إلا نتيجة للتحرر الذي يدعو إليه بنو علمان؟
بلدنا أصبحت أرضا خصبة لكل أنواع الفساد، فتح العلمانيون الباب على مصراعيه لأعداء الله ليفعلوا في أرضنا ما شاءوا، فباسم السياحة صار المغرب قبلة لكل فاجر وفاجرة، وكل زاني وزانية ليفعلوا ما شاءوا بمن شاءوا، لا فرق بين رجل وامرأة وشاب وشابة بل ولا بين طفل وطفلة، المهم إفراغ الشهوة وتحقيق اللذة مقابل دراهم معدودة، وهذه مدينة مراكش مهد الحضارة والعلم أكبر شاهد، يكفي أن نقوم بجولة بين أحيائها لنرى العجب، كل ما قد يخطر على البال من أنواع الرذيلة موجود..
كيف إذن يدعي المستغربون أن الحل يكمن في تطبيق العلمانية، وما نعيشه من ويلات ليس من وراءه إلا العلمانية!
3- العلمانية في فلسطين والعراق
ويرى هذا المستغرب أن ما يجري في العراق وفلسطين ولبنان لا مخرج منه إلا تطبيق العلمانية، وبهذا عنون مقاله كما أسلفنا، ومما جاء فيه: “..وللخروج من هذه الأزمة علينا جميعا أن ندين بدين العلمانية الذي يوفر الأمن والطمأنينة”.
وهذا كلام لا يحتاج إلا تعليق، لكن لا بأس أن نقف ولو قليلا مع قوله:” العلمانية هي الحل في فلسطين والعراق”.
أقول ماذا فعلت حركة فتح العلمانية في فلسطين هل وقفت في وجه اليهود إخوان القردة والخنازير وقفة من يؤمن بقوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء..”؟
لا والله، إنها بمواقفها المتتالية كأنها تعلن ولايتها لأعدائها، وهذه أصبحت حقيقة لا ينكرها إلا مستكبر، والشواهد عليها كثيرة:
– ما يجري الآن لأهل غزة، مليون ونصف من المسلمين محاصرون في سجن جماعي يتعرضون للإبادة بشكل تدريجي.. ما موقف العلمانيين منها؟ ألم يولي عباس وأذنابه ظهورهم لهذه الجريمة النكراء، واكتفوا ببعض التصريحات الباردة.
وهذا نموذج أسوقه لإخواني القراء يبين مدى تعاطف علمانيي فتح مع اليهود:
نشرت مجلة البيان، لشهر شوال الماضي/أكتوبر 2007 عدد رقم 242 خبرا جاء فيه: “قدمت السلطات الإسرائيلية دعما صحيا لعشرات الناشطين من حركة فتح تمثل في علاجهم في مستشفيات الاحتلال من إصابتهم التي لحقت بهم في أحداث قطاع غزة الأخيرة. وبثت القناة العاشرة الإسرائيلية مؤخرا تحقيقا عن جنود الاحتلال الذين أصيبوا جراء عملية قصف المقاومة قاعدة -زكيم العسكرية-.. وظهر في التقرير شاب اسمه ثائر.. وهو أحد نشطاء فتح الذين أصيبوا في الأحداث الأخيرة.. وظهر ثائر في التقرير وهو يتجول على كرسي متحرك بين غرف الجنود ليسلم عليهم فردا فردا، ويحرص على الاطمئنان على وضعهم الصحي بعد إصابتهم جراء قصف المقاومة، وهو يردد أمام كاميرا التلفزيون الإسرائيلي: “إنها حماس لا تريد السلام.. فقط سياستها الطخ والقتل”.
وأقبل ثائر كما أظهر التقرير بحرارة على أحد الجنود الجرحى وسلم عليه وهو يخاطبه قائلا: “حمدا على السلامة، نتمنى لكم السلامة والشفاء، فنحن في فتح نريد السلام، أما هؤلاء في حماس فلا يريدون السلام بل القتل والدم” اهـ.
وماذا فعلت حكومة المالكي العلمانية في بلاد الرافدين؟
إنها لا هدف لها إلا تحقيق أهداف المستعمر وخططه، وغالبا ما تقوم أمريكا وحلفاؤها بعمليات عسكرية ضد المجاهدين بمساندة جنود الحكومة العميلة.
فهل بعد هذا كله يمكن أن نقول أن العلمانية هي الحل في العراق وفلسطين وغيرهما؟
4- طعنة أخرى للإسلام
يستمر الدعي في غيه فيقول: “لا يمكن لنا أن ننتهي من عقدة المسيحي ومن عقدة المسلم ومن عقدة اليهودي ما دامت هذه الأديان قائمة، وعلى المجتمع المدني أن يحل الديمقراطية والمجتمع المدني العلماني محل التشوهات الفكرية القديمة للإسلام والمسيحية واليهودية.. ولكن الإسلام أكثر ديانة فيها تشوهات..”.
والله إن القلب ليتحسر وإن الجلد ليقشعر من هول ما تخطه أقلام العلمانيين الحاقدين على ديننا حقدا ما بعده حقد، فهل الإسلام عقدة؟ وهل هو أكثر الأديان تشوها؟
ما الفرق بين هذا الكلام وما نسمعه على ألسنة جبابرة العصر كـ”جورج بوش”؟
لكن لا غرابة فالقلوب تشابهت فتشابهت الأقوال، “كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ”.
كيف يعتبر بنو علمان الإسلام عقدة وهو الذي رضيه الله تعالى لعباده ولم يرض لهم غيره؟
وأما قوله: “أن الإسلام أكثر الأديان تشوها”، فلا جرم أن كل مظاهر الإسلام- كالحدود وعقيدة الولاء والبراء وإعفاء اللحية والحجاب وتعدد الزوجات وتحريم الربا والاختلاط…- تشوهات في نظر بني علمان.
ومما جاء في المقال قوله:” والعلمانية تدخل على بيوت الناس فتطهرها..”.
قال تعالى: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ”.
يا ليت شعري من أي شيء تطهر العلمانية بيوتنا؟ وكيف يكون الرجس مطهرا؟
فهذه قناة M2 العلمانية قد اكتسحت كل البيوت إلا ما رحم الله، فماذا فعلت برامجها المتخصصة في العري والرقص والشذوذ ومسلسلاتها و”كليباتها” الماجنة وسهراتها الساقطة.. ألم تطفأ نور الحياء بين أفراد الأسرة الواحدة فترى الرجل وزوجته وأولادهما قد اجتمعوا أمام مسلسل مكسيكي قد كشفت بطلته عن معظم جسدها مما جعل بطل المسلسل يلهث خلفها حتى يحظ بها، وربما كانت متزوجة فخانت زوجها.
وهذا مشهد من مئات بل آلاف المشاهد التي تعرض صباح مساء في بيوت الكثير من الأسر.
وهنا أتساءل كيف سيكون حال كل فرد من أفراد الأسرة التي أقبلت على مثل هذه المشاهد؟ أليست هذه دعوة للخيانة بالنسبة للزوجين، ودعوة للزنا واتخاذ الأخدان بالنسبة للأولاد..؟
فلا جرم أن العلمانية ولجت بيوت أكثر المغاربة فطهرتها، لكن طهرتها من العفة والحياء والوقار والخوف من العزيز القهار، وجعلت أهل هذه البيوت في وحل الشهوات غارقين وعن يوم القيامة وأهواله غافلين، كما قال جل وعلا: “وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً”.