أفول الغرب وحسن أوريد
لم يتردد الدكتور حسن أوريد في “المقابلة” مع الإعلامي المتميز “علي الظفيري” في التنبيه على أن تسمية كتابه “أفول الغرب“، لم تكن من اختياره، بل من اختيار الناشر، وهذا أمر قد يبدو صادما، خاصة إن انضاف إليه شعور بنوع من التضارب في “مونتاج” الكتاب، وإخراجه، ويوحي بأن سلطة الناشر على الكتاب تفوق سلطة الكاتب نفسه، وقد يكون هذا أصلا لمدارسة طويلة في بيان سبب ذلك ومآلاته، لكن ذلك يعد ضربا من “إضاعة الوقت” كما يقال، والأمر عند التحقيق قريب، فما أن تبدأ تصفح الكتاب، حتى تنكشف لك أسباب ذلك كله، لماذا اختار الناشر هذا العنوان، ولماذا أقره الدكتور حسن؟
لم يكن الدكتور حسن بريئا من ذلك، فقد استعمل مصطلح “أفول الغرب“، لكنه استعمله بمعنى آخر، هو لازم له، وهو أفول هيمنة الغرب، وهذا مثير .
الفصول التسعة
هي تسعة فصول، أراد بها الدكتور حسن تنبيه الوعي وإعادة شحنه، وهي : (باسم الاقتصاد)، و(نهاية نهاية التاريخ)، و(العلم والعلموية)، و(هل حررت الثورة الجنسية الإنسان؟)، و(الصورة الحاجبة)، و(الديمقراطية بين المال والإعلام)، و(التكنوقراطي سادن الحداثة)، و(العيش المشترك على المحك)، و(العالم العربي أو الصورة المنكسرة للغرب)، والناظر في مضامينها، وربما تكفي عناوينها لتستطيع اكتشاف أن الفصلين الأولين هما الأساس لما يأتي بعدهما، ولعل أكثر ما قد يثيرنا نحن، هو الفصل الأخير، فثم كتب الدكتور حسن كتابه “أفول الغرب“!
الأفول، بين شيخ الأزهر أحمد عصيد
لست أدري إن كان اشتراه أو أهدي له ، لكن يبدو أن شيخ الأزهر لم يستطع الصبر، فبدأ رحلة تصفح “أفول الغرب“، وهو في مقعد “الطائرة” في رحلته الجوية، وكان يبدو مسافرا سفرتين، ولعل الثانية كانت أكثر إثارة من الأولى، وليس من المعتاد رؤية شيخ الأزهر، أسيرا لكتاب، إلى درجة أنه يصطحبه معه في “الطائرة“، وهو ما “أطار” عقل أحمد عصيد حينما رأى الصورة التي أخذت لشيخ الزهر وهو حالة الأسر، فانزعج لذلك، وحسبها نوعا من البروبغندا، أو رسالة أزهرية للعالم العربي تبشره بقرب أفول الغرب الذي نعيش في فضله ونعيمه، وصوَّر مقطعا أظهر فيه “سوء قراءة للصورة“.
إن الذي حصل لعصيد، يدل على شيئين، أنه لم يكن قرأ الكتاب بعد، فلو كان قرأه لعذر شيخ الأزهر ، أنه كان يقرأ الصورة بعين “عبد الغرب” الي لا يحب ان يرى “أفوله“، ولو عنوانا لكتاب!
أفول الغرب في نظر الغرب
بعيدا عن “حماقة” عصيد، وعودة إلى “مقاصد أفول الغرب“، فإن الانصراف عن أسئلة “القارئ” “لا يجوز” قبل “تحصيل الجواب“، ولعل من أهم الأسئلة التي بدت لي، بحكم سابق قراءات أخرى هو : هل كان الحديث عن “أفول الغرب” بدعا من الدكتور حسن؟
وضعت هذا السؤال بين يدي، وأنا أعرف جوابه، لكنني آثرت “بروتوكول النقد” في نوع من “ضبط النفس“، ولكنني مع ذلك وجدت أن سطوة الجواب كانت بحيث صار السؤال في نظري نوعا من “السطحية“، ولم أستطع إطالة النظر في السؤال على عادة من يريد “فهمه“، لأن حسن وضع السؤال نصف الجواب، وأنا هنا ،وجدت “الجواب” كله في “الجواب“، فما كتبه الغربيون عن هذا كان فوق “السؤال“، وكان وجه التطابق في “التنبئ” كبيرا، إلى درجة أن الأمر وصل إلى حد شبه تطابق بين العناوين الملخصة، وانظر إلى “Decadence” للمتفلسف الفرنسي ميشيل أونفراي ! سوى أن أفول الغرب عند أونفراي، معناه “أفول الأصول اليهودية المسيحية للعالم الغربي“، ولم يبعد الدكتور حسن عن هذا، حينما تحدث عن “الكنيسة الجديدة“، وسدنتها وصلاتها!
شمس الإسلام لم تغرب
اختار مترجم كتاب زغرد هونكه عنوانا عربيا غريبا، فسماه “شمس العرب تسطع على الغرب“، وهذا يعني أنها كانت قد “أشرقت“، ولكنها لم تصل إلى أفق الغرب إلا بعد حركتها نحوه، وقد وقفت عند هذا كثيرا، فقد كنت أعرف أن الشمس في الأصل لا تشرق ولا تغرب، إلا باعتبار رؤيتنا لها، وإلا فإنها تجري لمستقر لها، ونحن حولها ندور، فشمس الإسلام ثابتة، ودوران الأرض حول نفسها ينتج “النور” و”الظلمة“، هذه الأرض الحقيقة، أما أرض الإنسان فهي مسطحة، والشمس فوقها، فقابل لنورها، وحاجب له بحجاب حاجز، يشعر بدفئها، والنور حوله، لكنه يؤثر المشي في الظلام، والقارئ للأفول، سيرى نور هذه الشمس ساطعة على كلمات الدكتور حسن!
ما بعد الأفول
جرت عادة الباحثين والمفكرين على أن يضعوا لكل مفهوم وظاهرة “ما بعد“، فهناك “ما بعد الإنسان” و”ما بعد الحداثة” و”ما بعد الليبرالية “و”ما بعد الديمقراطية” ويحق لنا أن نتحدث عن “ما بعد الأفول“، والظاهر أن ما بعد الأفول ظهور جديد، ويكون السؤال، كيف سيكون هذا الظهور؟ هل هو “نهوض” تصحيح، أو “نهوض فوضى” عالمية ؟ إن الذي ورد في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم دال على أن العالم سيصير في وقت لاحق قريب أو بعيد، إلى عالم خال من “التقنية“، التي كانت سبب في “تدميرها“! وسيعود الناس إلى “بدائية” الحياة، يتقاتلون بالسيوف، ويركبون الخيل، فليس هناك لا سيارات ولا طائرات، ولكن الأمر سيكون مختلفا، فكرت ولا زلت أفكر في هذا، وسأبقى أفكر في هذا، فإما أن أدركه، وإما أن يموت معي سؤالي.
أفول العلمانية
ما الذي أزعج أحمد عصيد – أقصد “العلمانية” في بلاد المسلمين – من “أفول الغرب“؟، والجواب لائح ظاهر، فأفول الغرب يعني أفول ديمقراطيته وليبراليته، وأخلاقه وقيمه، وذهاب ريحه وقوته، وهذا أمر يزعج أحمد عصيد بحكم التبعية، أقصد “أفول العلمانية“، لأن أفول الأصل أفول للفروع كلها، ودليل على فشل الأصل فالفرع، وهذا يعني أن “العلمانية” ستدخل في حالة من الإحباط، وستكون عرضة بعدها للشماتة من “الأعداء” الذين ما فتئ “عصيد” يرميه بكل عيب ونقص، فإذا بلغه خبر “سقوط” برج “سارومان“، علم أن الأرض تحت “حيواناته المسيخة” ستخسف بهم، في مشهد سينمائي مخيف.
صندوق النقد الدولي IMF والكنيسة الليبرالية
كنت قرأت كتاب “صندوق النقد الدولي” لإرنست وُلف، وهالني الوقوف على حقيقته، تاريخا ووظيفة، وأثرا، وبه انفتحت عيني أكثر على “قوة المال” في صناعة “السياسات” والتحكم في “مصير الشعوب والأمم“، وارتفع مستوى وعيي في قراءة الأسباب والمسببات، وترفعت عن الرد إلى الأسباب القريبة، بالرد إلى الأسباب البعيدة، أو قل: العلل الأولى، على طريقة الفلاسفة، ومع تتبع جاد لتاريخ صندوق النقد الدولي، ولغريمه، أو قل ابنه عمه البنك الدولي WBG ، صرت خيط اللعبة تلمع تحت أشعة الكشف والتحقيق، واقتربت رقعة الشطرنج من الاكتمال في مخيلتي، بدت لي أسوار “كنيسة المال” قائمة، بعد أن كنت أحقق في ملامحها من بعيد، وتعرفت عن قرب على رهبانها الرأسماليين، وصلاتها المالية، ومبشريها الإعلاميين، هي نفسها كنيسة “النصارى“، لكنها “متحولة“، فحيما تستسلم لـ”أفول الغرب“، ولطريقة الدكتور حسن في تصوير ذلك بالتفصيل، تكتمل الصورة، وتنضج الفطيرة !