تعديل المدونة.. بين التوجيه الملكي وتعدد الفاعلين في المجتمع

 

1-رسالة ملكية لرئيس الحكومة من أجل إعادة النظر في مدونة الأسرة

 

وجه أمير المؤمنين، الملك محمد السادس، رسالة إلى رئيس الحكومة، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة.

وتأتي هذه الرسالة الملكية تفعيلا للقرار الذي أعلن عنه الملك في خطاب العرش لسنة 2022، وتجسيدا للعناية التي ما فتئ يوليها، للنهوض بقضايا المرأة وللأسرة بشكل عام.

وبموازاة مع تكليف الملك لرئيس الحكومة، من خلال هذه الرسالة، فقد أسند جلالته الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع.

كما دعا الملك المؤسسات المذكورة إلى أن تشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين.

وتقضي التعليمات الملكية برفع مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن هذه المشاورات التشاركية الواسعة، إلى النظر السامي للملك، أمير المؤمنين، والضامن لحقوق وحريات المواطنين، في أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان.

 

2-رئيس الحكومة يعقد اجتماعا لتنزيل مضامين الرسالة الملكية

عقد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بمقر رئاسة الحكومة بالرباط، اجتماعا خصص لتنزيل مضامين الرسالة الملكية المتعلقة بإعادة النظر في مدونة الأسرة.

حضر هذا الاجتماع، الذي عُقد يوم الأربعاء 27 شتنبر 2023، وزير العدل، عبد اللطيف وهبي.

كما حضر ذات الاجتماع الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ورئيس النيابة العامة، الحسن الداكي.

 

3-“منظمة النساء الاتحاديات” تتشبث بمرجعيتها اللادينية

عبرت منظمة النساء الاتحاديات عن “ارتياحهن العميق وامتنانهن البالغ” ببلاغ الديوان الملكي، بشأن إعادة النظر في مدونة الأسرة.

 

وأكد بلاغ لذات المنظمة أن “النساء الاتحاديات” يعبرون عن “ارتياحهن واعتزازهن بالمقاربة الملكية التي تندرج في صلب الاختيار الديمقراطي، الذي هو نفسه ما حكم الانتقال من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة سنة 2004، بجعل المدونة تمتح في شرعيتها القانونية من خلال مسار التشريع عبر مشروع قانون، ثم المصادقة عليه من طرف السلطة التشريعية”.

وذكرت ذات الهيئة أنها “شرعت منذ خطاب العرش سنة 2022 في عقد مجموعة من اللقاءات لصياغة تعديلات لمدونة الأسرة تنسجم مع مرجعية المنظمة اليسارية الحداثية”.

 

4-“منتدى الزهراء للمرأة المغربية” يدعو إلى احترام المرجعية الإسلامية في مراجعة المدونة

بدوره منتدى الزهراء للمرأة المغربية تفاعل مع بلاغ الديوان الملكي بإيجابية، معتبرا أن “إصلاح مدونة الأسرة ينبغي أن يتم في احترام تام للمرجعية الإسلامية للمجتمع المغربي، ولخصوصياته التاريخية والثقافية والحضارية وثوابته الجامعة المستقرة في أسمى قانون وهو الدستور”.

وأبدى ذات المنتدى في بيان له عن “استعداده للإسهام في ورش إصلاح مدونة الأسرة، وذلك انطلاقا من خبرته العلمية وتجربته الميدانية واحتكاكه المباشر مع قضايا المرأة والأسرة”.

وتابع ذات البيان أن المنتدى “تلقى باهتمام كبير المبادرة الإصلاحية التي أعلن عنها الملك محمد السادس عبر البلاغ الملكي الصادر يوم الثلاثاء 26 شتنبر 2023 الذي تضمن توجيه رسالة إلى رئيس الحكومة تتعلق بمدونة الأسرة”.

كما دعا “الجمعيات المنضوية في إطار شبكة منتدى الزهراء للمرأة المغربية إلى الانخراط الفعال في هذا الورش بكل جدية واجتهاد، بما يخدم تطوير وضعية الأسرة المغربية بكل مكوناتها ويساهم في النهوض بها”.

وأعرب ذات المصدر عن إشادته ب”المقاربة التشاركية والتشاورية التي دعا إليها الملك في أفق إخراج مدونة تتضمن حلولا فعالة تجيب على الاختلالات التي أبان عنها التطبيق العملي للمدونة خلال عقدين من الزمن”.

 

5-تعديل مدونة الأسرة.. العلماء وأمانة حفظ الشريعة

دعت الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، والتي تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، إلى إشراك المجلس العلمي الأعلى، بالإضافة إلى باقي الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، في هذا الإصلاح.

وفي ذات الصدد، دعا عدد من الباحثين والمهتمين العلماء إلى تحمل مسؤولياتهم في بيان حكم الشريعة في مختلف القضايا الأسرية التي تدخل في صلب “مدونة الأسرة”.

وقال محمد عوام، الباحث في الدراسات الإسلامية، إن “بلاغ الديوان الملكي، فاجأ الجميع بأن جعل للعلماء دور الاستشارة، لا الإشراف العملي، الذي أسند إلى وزارة العدل، ورئاسة النيابة العامة، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية”.

 

وأوضح: “بمعنى أنه لم يعد لهم أي دور فعال في صياغة المدونة، التي يراد إصلاحها، وإنما قصارى ما يتعامل معهم به هو استشارتهم، وطبعا فإن استشارتهم تكون استئناسا فقط، لا تقريرا، في شأن مدونة تبنى على الشريعة الإسلامية، وثوابت مذهبية الدولة المغربية وعلى رأسها المذهب المالكي، الذي نصت المدونة على الرجوع إليه، عندما يقتضي الحال ذلك، ولا تفي نصوصها بمستجدات الأحوال”.

وتساءل د.عوام في تدوينة له على “فيسبوك”: “فإذا لم يعد للعلماء الدور الذي كان لهم، وأمام التحدي الحداثي، الذي كان وزير العدل قائده، بمطالب مناقضة للإسلام نفسه، وكثرة المتدخلين، فالسؤال الجوهري هنا ما طبيعة هذه المدونة المرتقبة، فهل يتم تعديلها وإصلاحها وفق الشريعة الإسلامية ومبادئها وقواعدها ومقاصدها أم أنها ستشكل في قالب حداثي علماني، يراعي ما يدندنون حوله من مراعاة المواثيق  الدولية، و”الانفتاح” المتسيب، الذي ينقض الثوابت، ويجهز على المحكمات؟!!!”.

وزاد: “الدولة المغربية اليوم أمام امتحان مصيري لثوابتها، التي ظلت تلقنها للناس، وتلهج بها في قنواتها، ويرددها مسؤولوها، بعدد أحزاب القرآن، هل تظل وفية لها في صياغة المدونة، ومراعاتها في كل تعديل أو إصلاح أم أنها ستتنكر لها بالمرة، وتشيح عنها وجهها؟!!”.

من جهته، وجه الباحث في العلوم الشرعية، د.رشيد بنكيران، عدة توجيهات بخصوص تعديل مدونة الأسرة، تحريرا منه لمحل الخلاف بين الفقهاء والحداثويين.

وقال رئيس منتدى غراس للتربية والتكوين، في هذا الصدد، إن “حُكم الحاكم لا يرفع الأحكام المجمع عليها، ولا يرفع الأحكام القطعية، ولا يرفع الأحكام التي تشهد لها القواعد والأصول.. ولهذا كان الدين ما شرعه الله، والحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله”.

وزاد في مقال له: “والخلاف الدائر اليوم في المغرب بين علماء المسلمين وبين الحداثيين والعلمانيين حول قضايا مدونة الأسرة هو خلاف مرجعيات لا خلاف في فروع فقهية ظنية؛ خلاف بين مرجعية الإمام مالك وأبي حنيفة والشافعي.. وبين مرجعية جان جاك روسو وسبينوزا وفولتير… خلاف بين المرجعية الدينية وبين المرجعية الحداثية والعلمانية… خلاف بين المرجعية الحقوقية الإسلامية وبين المرجعية الحقوقية الغربية”.

ثم أردف قائلا: “وبناء عليه، فلا مجال للحديث عن قاعدة: “حكم الحاكم يرفع الخلاف” لأنها تتحدث عن الخلاف داخل المرجعية الإسلامية المبني على مدرك ضعيف”.

5-الصمدي: هل يلتقط بعض المسؤولين المعنيين بمدونة الأسرة رسالة الملك؟

بدوره تفاعل د. خالد الصمدي، الوزير السابق والباحث في الدراسات الإسلامية، بإيجابية مع الرسالة الموجهة لرئيس الحكومة، بشأن إعادة النظر في مدونة الأسرة.

وقال الصمدي إنه “بعد تنبيهه حفظه الله في خطاب العرش الأخير إلى خطورة الاهتزازات والتحولات التي تعرفها منظومة القيم على الصعيد العالمي ، والدعوة إلى التعامل معها بالجدية اللازمة، أمير المومنين يعيد الأمور الى جادة الصواب بتوجيه الحكومة إلى العمل المؤسساتي المشترك في ملف مدونة الأسرة، وفق بنية مؤسساتية متكاملة وأجندة  زمنية محددة ، ومنتوج يرفع إلى انظار جلالته”.

وتساءل: “فهل يلتقط بعض المسؤولين  المعنيين بالموضوع هذه الرسالة ويعون الدرس جيدا ويعودون إلى الجدية وجادة الصواب في التعامل مع مثل هذه القضايا الجادة ؟”.

وذلك “بعد تسجيل عدد من المواقف المؤسفة التي تدل على نوع من الصبيانية السياسية في التعامل مع قضايا الاسرة التي تقع في صلب هوية  الشعب المغربي المسلم الدينية الاجتماعية”، يقول الصمدي.

 

6- قول الفقيه:

كان د. مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى، قد قال، في وقت سابق (فبراير 2023)، إن “أي تعديل لمدونة الأسرة لا ينبغي أن يكون خارج ضوابط الدين الإسلامي”.

وأكد د. بنحمزة، في ندوة نظمت في الموضوع، أن “الإسلام أنصف المرأة ومتعها بحقوقها بشكل عادل وموضوعي”، مضيفا أن “المساواة مبدأ إنساني وإسلامي وعلماء مقاصد الشريعة الإسلامية توسعوا في الحديث عنه وأكدوا أن المساواة من مقاصد الشريعة”.

وردا على قول “مراجعة مدونة الأسرة لتصبح حداثية”، تساءل بنحمزة: “بالله عليكم ماذا يعني أن تصبح المدونة حداثية؟ وما هي المواصفات التي ينبغي أن تكون في المدونة لتكون حداثية؟ هل تقصدون أنها ستكون حديثة أي العصرنة؟”.

ونبه إلى أن “الحداثة مصطلح فلسفي وأتت في سياق معين بعد أن كان الصراع بين العلم والكتاب أي الكنيسة..”.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *