1-التطبيع المغربي.. نقاش في الخصوصية
هناك من يسمي “استئناف المغرب علاقاته بإسرائيل” تطبيعا، وتلك وجهة نظر ترى كل علاقة بالكيان الصهيوني غير طبيعية، بما فيها مختلف الاتفاقيات التي عرفتها عدة قطاعات مدنية وعسكرية. لا يحتاج هذا الرأي إلى تمييز بين تطبيع وآخر ولا يستحضره، لأن التطبيع في نظره “شر مطلق”.
وجهة نظر أخرى لا تعتبر ما حصل في المغرب تطبيعا، بل مجرد تدبير سياسي مؤقت قد يرتفع وتنتهي الحاجة إليه في شرط بعينه؛ يتساءل أصحاب هذا الرأي: إذا كان ما حصل تطبيعا، فأين السفارة؟!
وهناك قرائن تبرر خصوصية التطبيع في المغرب، لعل أبرزها النشاط الذي تعرفه مناهضة التطبيع بالرغم من “استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل”. فلم تقدم السلطات المغربية على اعتقال أي عنصر من عناصرها، رغم اللهجة التصعيد لخطابات بعضهم.. كما تسمح بوقفات مناهضي التطبيع وأشكالهم النضالية والتوعوية، إلا فيما ندر كما حدث أيام كورونا بحجة الطوارئ الصحية..
اتصال الملك المغربي برئيس السلطة الفلسطينية عقب قرار “استئناف العلاقات”، زيارة رئيس حركة حماس إسماعيل هنية للمغرب، التنديد بتجاوزات الاحتلال الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني ومقدساته، تشبث المغرب برئاسة لجنة القدس ومواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية؛ كلها قرائن تدل على أن المغرب لم يطوِ الصفحة ب”استئناف علاقاته بإسرائيل”، وأنه يحيط قراره بما يقتضيه المشهد الإقليمي من حذر..
في نفس الإطار، ينبغي قراءة الموقف المغربي من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.. وهو الموقف الذي جاء متدرجا، خطوة بخطوة كما هو مبين أسفله:
2-الخطوة الأولى (7 أكتوبر): العملية نتيجة انسداد سياسي
عقب عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة “حماس” في السابع من الشهر الجاري (أكتوبر)، أعربت المملكة المغرب، في بلاغ لوزارة خارجيتها، عن “قلقها العميق جراء تدهور الأوضاع واندلاع الأعمال العسكرية في قطاع غزة وتدين استهداف المدنيين من أي جهة كانت”.
وأضاف بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمعارضة المقيمين بالخارج أن “المملكة المغربية التي طالما حذرت من تداعيات الانسداد السياسي على السلام في المنطقة، ومن مخاطر تزايد الاحتقان والتوتر نتيجة لذلك، تدعو إلى الوقف الفوري لجميع أعمال العنف والعودة إلى التهدئة وتفادي كل أشكال التصعيد التي من شأنها تقويض فرص السلام بالمنطقة”.
وأكد ذات البلاغ أن “نهج الحوار والمفاوضات يظل السبيل الوحيد للوصول إلى حل شامل ودائم للقضية الفلسطينية، على أساس قرارات الشـرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين المتوافق عليه دوليا”.
3-الخطوة الثانية (11 أكتوبر): الدعم الكامل والثابت لدولة فلسطين
كما كان المغرب سباقا، بعد تطور الأحداث، إلى الدعوة لانعقاد دورة طارئة لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، ترأسها ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي المغاربة المقيمين بالخارج، بتاريخ 11 أكتوبر 2023 بالقاهرة.
وجاءت هذه الدعوة المغربية “من أجل بحث سبل التحرك السياسي على المستوى العربي والدولي لوقف التصعيد في الأراضي الفلسطينية ووقف استهداف المدنيين”.
وقد عبر المغرب عن موقفه من الحاصل في الأراضي الفلسطينية، من خلال كلمة ألقاها وزير الخارجية المغربي، قال فيها إن “صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، ما فتئ يدعو للخروج من منطق الصراع والعنف، إلى منطق السلام والتعاون وبناء فضاء مزدهر لجميع شعوب المنطقة”.
مؤكدا “استعداد المغرب الانخراط في أي جهد عربي ودولي يروم تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967، وفق حل الدولتين المتوافق عليه دوليا”.
وأضاف بوريطة أن “جلالة الملك ظل دائما يؤكد أن أمن الشرق الأوسط واستقراره يتطلب مساع بلا انقطاع وجهودا حثيثة ومتواصلة، للخروج من منطق الصراع والعنف إلى منطق السلام والتعاون وبناء فضاء مزدهر لجميع شعوب المنطقة”.
وجدد المغرب، في ذات الكلمة، “دعمه الكامل والثابت لدولة فلسطين ولسلطتها الوطنية الشرعية، بقيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن، للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وتحقيق تطلعاته في الحرية والاستقلال والعيش الكريم”، مع التأكيد على “تشبث المملكة المغربية، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بالسلام العادل والشامل المستند إلى قرارات الشرعية الدولية، باعتباره خيارا استراتيجيا لا محيد عنه”.
وأضاف بوريطة في كلمته أن “الأحداث الدامية والمروعة التي انطلقت شرارتها يوم السبت 7 أكتوبر 2023 وما واكبها من عنف منقطع النظير، يؤشر على أن المنطقة أمام وضع غير مسبوق، قد يدخل الصراع في مرحلة لا يمكن التكهن بتداعياتها، ويذكي تصاعد خطاب استئصالي ممنهج مريع”.
وذكّر بوريطة بأن “جلالة الملك ما فتئ ينبه إلى خطورة انسداد الأفق السياسي للقضية الفلسطينية واستمرار الانتهاكات والإجراءات الأحادية في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة، ويحذر من أن تلك التصرفات المرفوضة تغذي التطرف، وتروج لثقافة العنف، وتؤجج نيران الصراع، وتقوض جهود التهدئة، وتنسف أفق حل الدولتين وتضرب بذلك في الصميم كل فرص السلام الشامل والعادل والدائم”.
4-الخطوة الثالثة (17 أكتوبر): إدانة شديدة لقصف مستشفى المعمداني
وعقب قصف الكيان الصهيوني لمستشفى المعمداني بقطاع غزة (17 أكتوبر 2023)، قالت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، في بلاغ له، إن “المملكة المغربية تدين بشدة قصف القوات الاسرائيلية مستشفى المعمداني في قطاع غزة وما خلفه من ضحايا بالمئات من بين الجرحى والمصابين”.
وجاء في ذات البلاغ أن “المملكة المغربية تجدد مطالبتها بحماية المدنيين من قبل كل الأطراف وعدم استهدافهم”.
وتابع المصدر ذاته أن “المملكة المغربية التي يرأس عاهلها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لجنة القدس الشريف، تؤكد على الحاجة الملحة لتظافر جهود المجتمع الدولي لإيقاف الأعمال العدائية بأسرع وقت واحترام القانون الدولي الانساني والعمل على تفادي انزلاق المنطقة نحو مزيد من التصعيد والاحتقان”.
5-الخطوة الرابعة: إجلاء طاقم مكتب الاتصال الإسرائيلي
قامت وزارة الخارجية الإسرائيلية، عقب موجة الاحتجاجات التي تلت قصف “مستشفى المعمداني”، بـ”إجلاء طاقمها الدبلوماسي مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط”.
وأكد موقع صحيفة “يدعوت أحرنوت” الصهيوني أن “الخارجية الإسرائيلية أعطت الأمر بإجلاء أطقمها الدبلوماسية بكل من المغرب ومصر”.
وعللت الخارجية الإسرائيلية قرارها بأنه يدخل في إطار “رفع درجة التأهب إلى أعلى مستوياتها”، تقول “ديعوت أحرنوت”.
ولم تخرج وزارة الشؤون الخارجية المغربية بأي توضيح في هذه القضية، فيما اعتبرها مناهضو التطبيع قرارا احترازيا إسرائيليا لا يرقى لمطلبهم بـ”إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي”.
وكانت شامة درشول، مسؤولة الاتصال السابقة في مكتب غوفرين، قد أفادت بعد تأكد خبر الإجلاء أن مغادرة غوفرين للمغرب كانت يوم 16 أكتوبر، بعد مسيرة الأحد 15 أكتوبر.
وقالت درشول، في تدوينة على حسابها بـ”فيسبوك”، إن مغادرة غوفرين جاءت ب”طلب من المغرب أنه شخص غير مرغوب فيه”.. هكذا قالت درشول دون إعلان عن مصدر هذا المعطى!
6-الخطوة الخامسة (21 أكتوبر): المغرب يرفض تهجير الفلسطينيين
وفي كلمته، خلال انعقاد قمة القاهرة للسلام بتاريخ 21 أكتوبر 2023، أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، “رفض المغرب تهجير الفلسطينيين من أرضهم”.
وشدد بوريطة في كلمته على أن “المغرب لا يقبل بالحلول الهادفة إلى ترحيل الفلسطينيين”، فذلك من وجهة نظر المغرب “سيناريو يهدد الأمن القومي للدول المجاورة”.
وطالب بوريطة المجتمع الدولي ب”ضرورة الدعوة إلى خفض التصعيد، وحقن الدماء، ووقف الاعتداءات العسكرية، وتجنيب المنطقة ويلات صراع قد يفضي إلى ما تبقى من فرص لتحقيق السلام”.
كما نبه وزير الخارجية المغربي إلى “الحاجة الملحة لحماية المدنيين وعدم استهدافهم وفق مبادئ القانون الدولي، والقيم الانسانية المشتركة، وإطلاق عملية سلام حقيقية تفضي إلى دولة فلسطينية على حدود يونيو 67، وعاصمتها القدس الشرقية”، مؤكدا “تمسك المغرب بالوصول لعملية سلام، واستعداده للانخراط في تعبئة دولية لوقف الأعمال العدائية في أسرع وقت ممكن”.
7-الخطوة السادسة (24 أكتوبر): إرسال مساعدة إنسانية عاجلة للسكان الفلسطينيين
أفاد بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج قد أفاد، بتاريخ الثلاثاء 24 أكتوبر، أن “الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، أعطى تعليماته السامية من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة للسكان الفلسطينيين”.
وأضاف ذات البلاغ أن “هذه المساعدات تشمل كميات مهمة من المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والمياه”، موضحا أنه “سيتم تحديد آليات إرسال هذه المساعدة العاجلة بتنسيق مع السلطات المصرية والفلسطينية”.
وجاء في بلاغ الخارجية المغربية أن “هذا القرار الملكي السامي يندرج في إطار الاتزام الثابت لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لفائدة القضية الفلسطينية”.
8-تقييم الموقف
الموقف التصعيدي المطلوب والمتناسب مع حدة الإجرام الصهيوني، بالنسبة لمناهضي التطبيع، هو إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي وإلغاء كافة اتفاقيات التطبيع. وذلك لأن “التطبيع شر مطلق” لا يخدم المغرب، سواء في قضيته الوطنية، أو في موقعه كقوة إقليمية لها مسؤولية ووجهة نظر في المنطقة.
ما يصدر عن الخارجية المغربية من مواقف تنديدية، يحظى بتقدير أغلب مناهضي التطبيع، إلا أنه لن يكتمل ويكتسب نجاعته الواقعية إلا بإنهاء مسار التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي.
وجهة نظر أخرى ترى أن المغرب لم يتأثر كثيرا بالتطبيع، بل إن المواقف الصادرة عنه في ظل المتغيرات الجديدة، وبالنظر إلى “استئناف علاقاته الدبلوماسية بإسرائيل”، يؤكد تشبثه بالقضية الفلسطينية واستمراره في التنديد بجرائم القوات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني.
ويرى آخرون أن العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني يبرر للمغرب خطواته التصعيدية ضد “إسرائيل”، بالتناسب اطرادا مع تصاعد عدوانها على الشعب الفلسطيني.. فذلك يعني انسحابها تدريجيا من أبرز بنود الاتفاق، وهو توسيع دائرة السلام في المنطقة.. آنئذ يحق للمغرب تقدير موقف جديد بناء على معطيات جديدة..