شهد النقاش حول مراجعة مدونة الأسرة، احتقانا حادا، على غرار ما وقع قبل 2004، فلم يتصور المتتبعون لهذه القضية أن يشتعل الجدال بين مكونات الهيئات الدستورية الرسمية، حيث كانت تشير توقعاتهم إلى انحصاره بين الإسلاميين والعلمانيين، في المجال السياسي، لكن الواقع أبطل التصورات والتكهنات، فما الذي حدث وأغضب علماء المغرب، فخرج عضو المجلس العلمي الأعلى، إدريس خليفة معلنا عن موقف حازم وصادم، بين فيه أن مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان مخالفة للشريعة؟
هذا الغضب كان ظاهرا للعيان أيضا على وجه ذ.محمد يسف، الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، عند مشاركته في عملية تسليم التقرير لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، حيث أظهرت الصورة أ يسف اختار الوقوف إلى أقصى يمين رئيس الحكومة، في حين وقفت بوعياش في أقصى اليسار، كما وثقت الصور المتداولة لأعضاء الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، أن الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى بقي صامتا وارتسمت على وجهه ملامح الغضب، وهو ما ينسحب أيضا على رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بوعياش.
هذا التباعد الذي أظهرته الصور، يؤكد ما صرح به د. إدريس خليفة، العميد السابق لكلية أصول الدين بتطوان، أن الوثيقة “مخالفة لأحكام الشريعة وللنصوص القطعية”، وتسجيل عضو المؤسسة العلمية الدستورية الرسمية محاولة بوعياش فرض مذكرة تعديل المدونة دون موافقة المجلس العلمي الأعلى، ليتطور الأمر إلى أخذ موقف واضح، وإعلان الرفض لما أرادت بوعياش تمريره.
هذا الإقصاء للعلماء الذين أشركهم ملك البلاد كضامن، لما صرح به بوضوح في خطاب العرش 23: “وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”، ليس ما وقع داخل الهيئة مظهرا فريدا له، بل تحاول الأقلية العلمانية محاصرة صوت الشرع والدين وكتمه، في الوقت الذي يصولون ويجولون في المحطات التلفزية والإذاعية الرسمية وغير الرسيمة.
وفي هذا الصدد صرح د.مصطفى بنحمزة، بأن إقصاء العلماء متعمد وواضح للجميع.
كما تساءل بنحمزة، لماذا يحال دون أن يشارك العلماء في نقاش المدونة على قنوات القطب العمومي في حين هناك من يستضاف من توجه آخر أكثر من مرة؟
وأكد عضو المجلس العلمي الأعلى أنه من حق العلماء أن يكونوا حاضرين في كل نقاش، في إشارة واضحة إلى أن صوتهم غيب من الساحة بشكل مقصود وممنهج.
هذا الإقصاء هو ما حاولت تكريسه إحدى النسويات في سؤال كتابي موجه لوزير الأوقاف حول ما اعتبرته “استغلالا لمنابر المساجد للتهديد والتحريض وتكريس خطاب التطرف ضد المغاربة”.
والنائبة بخطابها هذا تريد حشر العلماء في الزاوية، ومنعهم من إدلاء رأيهم، وحكم الشرع في تغيير النصوص القطعية، حيث ورد في سؤالها: “على إثر النقاش الدائر في أوساط المجتمع حول موضوع مدونة الأسرة والتعديلات المرتقبة برزت تصريحات صدامية وعدائية من محسوبين عن التيار الإسلامي، ضد الفعاليات الحقوقية والسياسية الداعية لرؤية حداثية ترسخ قيم المساواة”.
ويبدو أن النائبة تجهل أو تتجاهل أن السادة العلماء يناقشون انطلاقا من حقهم في التعبير عن الرأي أولا، ثم انتمائهم إلى مجلس دستوري ثانيا، وقبل هذا تكليفا من أمير المؤمنين، من أجل كل هذا فهم ليسوا في حاجة لمن يعرفهم بوظائفهم ولا يعبؤون بمن يحرض ضدهم بالوشاية الكاذبة والمغرضة.