1- الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه
هذا عنوان كتاب صاغه الشيعي المتحرر أحمد الكاتب، جمع فيه ما تفرق في كثير من مصادر الشيعة القديمة، عرض فيه لتاريخ وشكل تطور النظرية الفكر السياسي الشيعي منذ ظهور “التشيع” إلى عهد “الثورة الخمينية“، وقد زعم فيه الكاتب أن الفكر الشيعي بدأ بالشورى، مستشهدا بنصوص عن أهل البيت في ذلك، خارما دعوى العصمة الإمامية خرما شديدا، أسقط به كل المنظومة الفكرية الإمامية، خاصة الإثني عشرية التي شذت عن عموم المذهب الإمامي، واختصت بنموذج خاص، ورغم كون الطائفة الإثني عشرية أقلية تاريخية وسط عموم الفرق الشيعية، إلا أنها تمكنت من فرض حضورها بطريقة ماكرة، وها هي اليوم تصل إلى مرحلة متقدمة في تطور فكرها السياسي، مرحلة ولاية الفقيه، حكومة الملالي الديكتاتورية.
2- الفقيه من الشخص إلى المؤسسات
وصل أحمد الكاتب في عرضه لتطور النظرية السياسية الشيعية إلى ولاية الفقيه، واستقر عند صورتها الأولى، الخميني الهندي الأصل، وكشف عن طبيعة الفكر السياسي عنده متجردا منصفا، وأبان عن حقيقة ولاية الفقيه الخمينية بشواهد من كلامه، والتي تدل على نزعة ديكتاتورية، بل علمانية ملحدة، فالخميني يريد حكومة خمينية، وإن سماها حكومة إسلامية، خلافا للستة الذي حاولوا التمويه بعرض الفكر السياسي الخميني في صورة مستحسنة منمقة، في كتابهم “دراسات في الفكر السياسي للإمام الخميني“، فقد كانوا مائلين عن التجرد، غالين في الرجل، حتى وصفوه بالتفرد في تاريخ الإصلاح الإسلامي، والذي أضيفه هنا أن ولاية الفقيه بعد الخميني انتقلت من “الفردانية” إلى ” “مؤسسات“، الولي الفقيه، والحرس الثوري، والملالي المعممين، والأوليغارشية المالية الإيرانية.
3- فلاسفة أم القرى
عجبت من محمد جواد لاريجاني حين زعم أن نظرية أم القرى – ويقصد نظرية الحكومة الإيرانية الشيعية الإمبريالية – مبنية على الكتاب والسنة، فإنك حينما تتأمل في كتابه “مقولات في الاستراتيجية الوطنية” تجد الرجل يستشهد بأرسطو وسقراط، ويحيل على مونتسكيو وشوبنهاور وغيرهم، ويعلي من قدرهم، ويسدد ويصوب آراءهم، فتعلم أنه يقصد بالكتاب “كتب أرسطو” وبالسنة “سنة مونتسكيو وجون لوك“!
غاب عن الكتاب -أو قل: غيبه الكاتب- أبو نصر الفارابي صاحب المدينة الفاضلة وآراء أهلها، فقد كان الأولى بالاستحضار، فالفارابي معدود عندهم منهم، فقد ترجم في كتب الشيعة، وعد كتابه أول كتابه أصل في “الحكومة الإسلامية الشيعة” التي يحكمها المعصوم أو من ينوب عنهم، ولذلك أنا متردد، هل كان هذا من الكاتب غفلة أو استغفالا؟
4- الخميني الصوفي في فرنسا
حينما اشتد عود المعارضة عند الخميني، وضاقت عليه بذلك أرض العراق بما رحبت، طار إلى مكان تحكمه حكومة لا يظلم عندها أحد!!! فقد وجدناه يلجأ إلى واحدة من أكبر الحكومات الاستعمارية في العالم، وأم الكاثوليكية النصرانية، ومهد الاستشراق الفرنسي الآثم، ومجمع الصهيونية، فهناك كان محط رحاله، حيث الأمان من الخوف والجوع، فقد بذلت الحكومة الفرنسية لتوفير ذلك كل ما كان في وسعها، وكان مقابلُ ذلك كله، متوقفا على ظهور الخميني وسقوط الشاه، وعند حصول الانقلاب الثوري، أُوصل الخميني في طائرة من سرب الخطوط الجوية الفرنسية معززا مكرما، وجلس أعضاء الحكومة الفرنسية يهنئ بعضهم بعضا على ما حصلوا عليه مقابل كل ذلك!
كلنا يعرف الحضور الفرنسي في الشام، في سوريا حيث صنعوا “العلويين“، وفي لبنان، حيث ولاء بعض المارونيين لهم، ومعهم حليفهم “حزب اللات“، خديم المشروع الخميني، الذي كان يوما، ضيفا كريما على فرنسا.
5- تصدير الثورة لاستيراد الثروة
منذ نشأة الدولة الإيرانية الخمينية، اجتهد الأتباع، والقائمون بأمر الدولة و”الدعاة” في نشر “الثورة” في كل بلاد المسلمين، بل وفي كثير من دول العالم، فإيران جادة في إقامة “إيران الكبرى” تحت ذريعة حماية العالم من “الضلال والظلم“، وعلى هذا تقوم “نظرية أم القرى” التي خطها قلم لاريجاني ونشرها بين زعماء الثورة وأسيادها، وقد ناله ما نالها بسبب “إفشائه السر“، ولكن الكتاب اليوم مطبوع، وبترجمة جيدة، ومقدمة ممتازة وهوامش قوية، من المتخصص في الشأن الإيراني الدكتور “نبيل العتوم“، فمن أهم أركان النظرية اعتبار العالم الإسلامي ملكا للثورة الإيرانية، واعتبار “الولي الفقيه” “الخليفة الأعلى” ، للإمبراطورية الفارسية، وهي عندهم “باقية وتتمدد“، ولا يزال “دعاة” الثورة يجتهدون، لكن في ضيق وتضييق، ويدعو أمثال أحمد عصيد إلى تمكينهم من دعوتهم – التوسعية القاضية بإسقاط “مؤسسة إمارة المؤمنين” لأنها عقبة كبيرة في طريق “مؤسسة ولاية الفقيه”- بمقتضى حرية المعتقد!!!
6- ميليشيات الثورة
بدأت الدولة البويهية الشيعية في صورة ميليشيات مسلحة، ثم تحولت إلى دولة شاذة منحرفة عن التشيع العربي كما يقول “نبيل الحيدري” في “التشيع العربي والتشيع الفارسي“، ثم تطورت بعد إلى صورة أقبح وأكثر انحرافا، وهي “الصفوية” التي أجهزت على “التشيع العلوي” كما يقول “علي شريعتي” في “التشيع العلوي والتشيع الصفوي“، ولا تزال الدولة الشيعية المعاصرة تراهن على “أداة الميليشيات“، فبها تمكنت من بسط نفوذها السياسي والعسكري في لبنان والعراق واليمن ، وتسعى إلى أكثر من ذلك، وحيثما حلت أسقطت الدول، وخربت الاقتصاد، وأفسدت السلم الاجتماعي، وليست البحرين والكويت ببعيدة عنا.
7- شيعة أهل البيت الأبيض والتحالف الغادر
يصعب على كثير من الناس تصديق دعوى وجود تحالف بين عدوين ظاهرين، لكن القارئ الحصيف الذكي، يعرف جيدا كيف يمكن حدوث ذلك، حينما يكون التحالف استراتيجيا، العداوة ثابتة، والصواب يكون، هكذا هي العلاقة بين إيران وبين أمريكا وإسرائيل على جهة التخصيص، وتحالف هؤلاء الثلاثة قديم، وقد تطور كثيرا، وتجاوز الأعدقاء الثلاثة كما يسميهم بعض الأذكياء كل العقبات التي تحول دون أيصير هذا التحالف الاستراتيجي دائما وقويا، وهو تحالف يضمن مصالح الثلاثة، مع بقاء نوع من التدافع، وهو بعبارة أخرى تحالف ترشيد للخصومة، وقد أُلف الكثير في الكشف عن طبيعة هذا التحالف، أصوله وفروعه، ومن أشهر ما كتب في هذا: “التحالف الغادر” لـ”تيرتا بارزي“، الإيراني الأمريكي، وهو كتاب يحكي تاريخ العلاقات الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية، وأحداث مهمة ميزت هذا النوع من التحالف، وأضف إليه “أجندة إيران من الداخل” للكاتب الصحفي الأمريكي “ريز إرليخ” الذي زار إيران وعاش فيها برهة من الزمن مراسلا صحفيا.
8- المسجد الأقصى الشيعي
ما موقع “المسجد الأقصى “في الفكر الثوري الإيراني؟ الجواب: لا موقع، إن كان المقصود به ذاك المسجد المبني في القدس، ففي رواياتهم أن المسجد الأقصى في السماء، ولذلك إذا سمعت أمين عام ميليشيا إيران في لبنان يتحدث عن “المسجد الأقصى” فلا يذهبن ذهنك أفقيا نحو فلسطين، بل عموديا إلى السماء، فهناك “بيت مقدسهم“، وذاك الذي يهمهم، وإيران حريصة على تنزيل نظرية “أم القرى” أحسن تنزيل وأفضله، ومن ذلك أن مصلحة بقاء إيران “أم القرى” مقدمة على مصلحة حماية غزة ومن فيها، فهي لم تحرك صاروخا واحدا لدفع الأذى عن أهل الغزة، ولو قتل منهم أربعون ألفا، لكنها سترسل مئات الطائرات المسيرة والصواريخ إذا قتل ثلاثة من الحرس الثوري.
أقف هناك لأسترد نفسي، فاختصار البحر في بحيرة أمر متعب جدا.