لا تجد لبني علمان حديثا عن التجارب الإسلامية الناجحة في تدبير الشأن العام وسياسة الدول، بل يرفضون مجرد الإشارة إليها، علاوة على أنهم يتمنون لو كانوا سدا منيعا في وجه هذه التجارب، على الرغم من أنها ما تزال تلامس روح الإسلام، وليست هي الكمال الإسلامي المنشود، لأن نسبتها إلى الإسلاميين أقرب مما هي إلى الإسلام.
تجربة حكومة غزة:
على الرغم من الحصار والتجويع والدمار الذي يقوم به الصهاينة، بمباركة وتواطؤ ومشاركة مكشوفة من الانقلابيين في مصر، بإغلاقهم لمعبر رفح، وتدمير الأنفاق، فقد استطاعت وزارة الصحة في حكومة غزة، على سبيل المثال لا الحصر، أن تجري 800 عملية قلب مفتوح ناجحة، كما صرح بذلك مدير حملتها الإعلامية، إسماعيل الثوابتة، مشيرا إلى أن المواطن المريض بالقلب المفتوح قبل الحكومة العاشرة كان يكلف الحكومة مبلغ قدره 40.000 دولار، بينما الآن تجريها الوزارة بدون مقابل، إضافة إلى نجاحها في إجراء مئات العمليات النوعية الكبرى مثل عمليات العيون واستئصال الأورام وغيرها.
كما أوضح إسماعيل الثوابتة أن وزارة التربية والتعليم نجحت -وضمن رؤيتها لتحقيق أهداف خطتها الإستراتيجية- في إنشاء 44 مدرسة لكافة المراحل التعليمية بما فيها إقامة أول مدرسة خاصة للصم في فلسطين، مع الإشارة إلى وجود 30 مدرسة قيد الإنشاء.
وأشار أيضا إلى أن وزارة الاقتصاد الوطني نفدت آلاف الجولات التفتيشية على التجار والبائعين في إطار حماية المستهلك من الغش والاستغلال، وأنها مولت 135 مشروعا تنمويا خدميا لأبناء الشعب الفلسطيني في غزة، لافتا إلى أن سلطة الأراضي خصصت (7658) دونما من الأراضي الحكومية لإنشاء مشاريع تنموية وخدمية في القطاع.
أما عن محاربة الأمية، فإن غزة تسجل أدنى نسبة أمية في العالم، إذ بلغت 3.1%، وتليها السويد في المرتبة الثانية، أما المغرب فنسبة الأمية فيه حوالي 28%، بينما معدل الأمية في الدول العربية بلغ 23.1% في العام 2011، حسب بيانات معهد اليونسكو للإحصاء، إذ بلغ عدد الأميين في العالم العربي حوالي (47.6) مليون.
التجربة الماليزية:
يقول أحد أشهر رؤساء ماليزيا، محاضر محمد، الملقب بمهندس النهضة الماليزية: «نحن في ماليزيا نعتبر أنفسنا مثل أسلافنا المسلمين في العصر الذهبي، لأننا نلتزم رؤية ومدخلا أصيلا ينسجم مع روح وجوهر الإسلام. وكان لابد أن نبدأ أولا بتحقيق النمو، وفيما قمنا بتطبيق مختلف الحزم المعيارية اللازمة لحفز نمو الناتج المحلي الإجمالي، اتخذنا المعالجات التي تكفل المساواة، الأمر الذي لم يحظ باستحسان الغرب الذي يؤمن بأن البقاء والثراء هما فقط للأقوياء على حساب الفقراء».
ففي ظل القيم الإسلامية وتطبيق مبادئ الاقتصاد الإسلامي حققت ماليزيا ارتفاعا في معدلات التنمية البشرية، والقضاء على الفقر والبطالة، وحققت طفرة في الصادرات، إذ قفز تبادلها التجاري مع العالم من 4,5 مليون دولار عام 1975 إلى حوالي 180 مليار دولار سنة 2000.
وقد ساهمت الصادرات في الرفع من نصيب الفرد الماليزي إلى 4800 دولار، متجاوزا بذلك نصيب الفرد الأمريكي في صادرات بلاده بمبلغ 1700 دولار.
التجربة الإندونيسية:
أما إندونيسيا فقد استطاعت أن تقهر المصاعب وترفع من مستوى الطبقات الكادحة، بعد أن كانت المعيشة متدنية للغاية، إذ نجحت في تغطية 85% من ديونها، وكان من المتوقع أن تقوم بسداد باقي الديون في أفق 2014، إن لم تكن قد فعلت، وبذلك تدخل إندونيسيا النادي المحدود الأعضاء، المسمى بالنمور الاقتصادية. وتدل كافة المؤشرات على أن إندونيسيا بحلول عام 2025 ستكون من بين الدول التي يعتمد عليها العالم.
التجربة التركية:
احتلت تركيا المرتبة السادسة على المستوى الأوروبي في المجال الاقتصادي، وتضاعف مؤشر دخل الفرد فيها من 3500$ دولار أمريكي سنة 2002، إلى10500$ دولار أمريكي سنة 2008، بعد اعتلاء حزب العدالة والتنمية سدة الحكم، بقيادة طيب رجب أردوغان.
كما تضاعف حجم الإنتاج أربع مرات خلال ست سنوات؛ إذ قفز من 180 مليار دولار سنة 2002، إلى 740 مليار دولار سنة 2008.
كما استطاعت تركيا أن تحقق نموا في حدود 6% على الرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية.
وتظهر الخطط التنموية والاقتصادية لتركيا تطلعها إلى تحقيق صادرات تصل إلى 500 مليار دولار، وكذلك إيرادات تصل أيضا إلى مقدار 500 مليار دولار، كما تخطط لتحتل موقع أحد الدول العشر الأولى اقتصاديا على مستوى العالم.
ثم إنها احتلت المركز الأول في أوروبا في مجال صناعة النسيج، والمرتبة الثالثة في العالم في تصنيع أجهزة التلفاز، والثالثة في العالم في تصنيع الحافلات، كما حازت الرتبة الثامنة في صناعة السيارات، إلى درجة أن من بين كل ألف سيارة تصنع في العالم، فإن خمس عشرة سيارة تصنع في تركيا.
والجدير بالذكر أن تركيا حققت كل هذه الإنجازات الباهرة، على الرغم من أنها تستورد المواد الخام اللازمة للصناعة، فكيف بها لو أنها امتلكت هذه المواد؟
أما آخر نجاح حققته تركيا أردوغان فهو إطلاق أول طائرة مروحية تركية الصنع بعد أن استكملت جامعة إسطنبول التقنية تصميم النموذج الأولي لطائرة «أريكوبتر» بالتعاون مع منظمة التخطيط الحكومية التركية، والتي قامت وكالة الجو والفضاء التركية بتصنيعها، بعدما أحيطت بالسرية التامة، حتى رأت النور.
وقد صرح رئيس جامعة إسطنبول التقنية محمد شاهين قائلا: «بإتمامنا صناعة هذه الطائرة سوف نثبت أننا بإمكاناتنا المحلية نحول التصميم والتخطيط التركي إلى صناعة فاعلة لها نتائج عملية. ستصبح تركيا من بين الدول التي تصنع الطائرات المروحية. وبتصنيع هذه الطائرة سوف نتحرر من الوصاية الخارجية في استيراد الطائرات المروحية. والأهم من ذلك أنّنا سوف نستطيع إصلاح هذه الطائرات في تركيا دون الحاجة إلى استيراد أي قطع من الخارج».
إن هذه الدول قد أفلتت بشكل ما من الأشكال من القبضة الرقابية الغربية، التي تعمل على مدار الساعة، على أن تظل الدول الإسلامية جاثية تحت أقدامها، وبنو علمان أعمى حقدهم الفكراني بصائرهم، فتراهم يسارعون في هوى الغرب، ويضعون العراقيل أمام أي تجربة إسلامية، إن وجدوا لذلك سبيلا، كما هو الأمر في مصر وتونس والمغرب.
وفي نفس السياق اعتبر المشير عبد الرحمن سوار الذهب الرئيس السوداني الأسبق، ورئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية، في حوار لـ «عكاظ»، بأن السودان ضحية لمؤامرات حاكها الغرب ضده، حتى لا يسخر موارده الطبيعية والبشرية الواسعة في التقدم نحو مصاف الدول التي سبقته. وتابع قائلا:
«لو أن السودان استثمر جزء من هذه الثروات الواسعة لأصبح دولة عظمى»، لامتلاكه الزراعة والمعادن والذهب واليورانيوم والكثير من الثروات الأخرى. وأضاف إن «الأمريكان والغرب وضعوا خططا بحيث لا يسمحون للسودان بالتوسع أبدا في تطوير موارده».
وكان من آخر فصول المؤامرة الغربية في وجه أي إقلاع عربي وإسلامي، ولو على مستوى الطموح، تخيير «نتن ياهو» عباس بين المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، وما دعاه «السلام»/الاستسلام، كما اعتبرت واشنطن المصالحة الفلسطينية عرقلة لجهود «السلام»، وهددت بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، إن لم تتراجع عن المصالحة.
«السلام» مع العدو واجب في عرف أمريكا، أما بين الأشقاء فكبيرة الكبائر، وهذا هو ديدن الاحتلال منذ وجد، شعاره الخالد: «فرق تسد»، المتمثل في الدولة القطرية التي يعض عليها بنو علمان بالنواجد.
إن مؤامرة «سايكس بيكو» التي مزقت الوطن العربي إلى دويلات لا تسمن ولا تغني من جوع في ميزان النهضة، مازالت حاضرة في أذهان الساسة الغربيين الذين يلوحون بفزاعة التقسيم والحرب الأهلية في وجه الثورات العربية، خصوصا إذا أحسوا بأن الإسلام قادم على صهوة السياسة.
إن الغرب «الديمقراطي» لا يريد ديمقراطية، على عواهنها، في الوطن العربي والإسلامي، لأنه لا يريد للأمة أن تتحرر من الاستبداد، كما أنه يرفض أن تكون سيدة قرارها، لذلك نجدهم يروجون لفكرة إما «الزعيم» المستبد أو الفوضى والتقسيم.
ومخطط (برنارد لويس) المستشرق الصهيوني، ذو الأصل الإنجليزي ليس عنا ببعيد، والذي اقترح من خلاله على وزارة العدوان الأمريكية إعادة تفتيت العالم الإسلامي من باكستان إلى المغرب، من 56 دولة، إلى 88 كيانا سياسيا، بما يعنيه هذا التقسيم من شقاقات وصراعات وحروب ومآس، خاصة وأن الغرب يترصد الفرص المواتية لذلك، إذ يجعل السبب في التقسيم هم شرفاء الأمة، كي تعاني هذه الأخيرة مرتين، مرة من التقسيم، ومرة في التطاحن بينها بسبب تحميل أشرف من فيها لهذا التقسيم.