أثار الإعلان عن انطلاق مركز تكوين الفكر العربي بمجموعة أمناء من الشخصيات الفكرية والكتاب، حالة من السخط والجدل.
إذ تتلخص أهداف المركز، وفق ما ورد في تعريفه، في تطوير خطاب التسامح الديني واعتماد لغة الحوار والنقاش وطرح الأسئلة عن المسلمات الدينية والإصلاح والحوار وقبول الآخر والإيمان بمبادئ السلام العالمي بين المجتمعات والثقافات والأديان. فقد ضم مجلس أمناء المركز مجموعة من الكتاب والمفكرين أصحاب السوابق في إنكار المعلوم من الدين بالضرورة مثل الإيمان باليوم الآخر، وبأن الله وحده هو من يستحق العبادة.
والإعلامي إبراهيم عيسى أحد مؤسسي المركز، حسب الصحافة المصرية، قد أساء الأدب مع الله حينما قال إن “صيام رمضان ليس منه فائدة، سوى أنه قرار سيادي من الله”، مضيفة أن عيسى تهكم على القرآن حينما قرأ قول الله تعالى “ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه” ثم راح يضحك بسخرية واستهزاء، ويردد “سلطانية سلطانية”.
وفي أحد برامجه التلفزيونية دعا عيسى إلى تأمل وتقديس البقرة، وقال إن “من المهم جدا أن يتأمل الفرد بالبقرة، لأن فيها ملامح تدعو لتقديرها، ولا مشكلة أن يصدق الفرد أن هناك شعوبا تقوم بتقديسها، لأنها تستاهل ذلك”.
من جهتها، اتهمت قناة الحدث اليوم -الموالية للحكومة المصرية- القائمين على مركز “تكوين” بالعمل لحساب جهات وصفتها بـ”الأجنبية”. وقال أحد إعلاميي الحدث اليوم إن مركز تكوين يعمل لحساب بعض المؤسسات الدانماركية، والمؤسسات الأميركية التي تدعو إلى نقد النص الإسلامي، من أجل نشر الإلحاد في إطار ما يطلق عليه الديانة الإبراهيمية.
“الحجاب ليس فريضة إسلامية، ولا يوجد عليه نص من قرآن ولا من حديث” تصريح صادم كان قد صدر عن فراس السواح -أحد مؤسسي مركز تكوين-. كما أن السواح قد صرح في مقابلة تلفزيونية أنه “لا يوجد حياة بعد الموت”، وأن “الجنة والنار هي أشياء رمزية فقط”، واصفا من يؤمنون بالثواب والعقاب يوم القيامة بأنهم “جزء من تركيبة متخلفة من المجتمع العربي”.
كما أنكر المفكر يوسف زيدان -أحد أمناء مركز تكوين والمتهم بسرقة الكتب الأجنبية وترجمتها ونسبتها إلى نفسه- حق المسلمين التاريخي بالقدس ووجود المسجد الأقصى في فلسطين، وكذب معجزة الإسراء والمعراج بقوله “لما أنزل القرآن الكريم لم يكن المسجد الأقصى موجودا ولكن كانت هناك كنيسة القيامة”.
وأضاف أن الناس استسلمت لما يتردد مستخدما تعبير “الاشتهار بالتكرار”، لوصف ذكرى الإسراء والمعراج التي قال إنها تتردد كل عام، الأمر الذي جعل الناس يصدقون ذلك مع مرور الوقت.
ولفهم طبيعة العلاقة التي تجمع عدد من المراكز والمؤسسات الغربية المعروفة بتوجهاتها المعادية للدين ومركز “تكوين”، لابد من تسليط الضوء على استراتيجية التي يشتغل بها القائمون على هذه المراكز الغربية.
وفي هذا الصدد، نشير إلى أنه بعد أن تأكّد الغرب أن تغيير الإسلام لن يتم من خلال كتابات المستشرقين، بدأ العمل الحثيث لتغييره من الداخل وعلى يد أبنائه، مثل انخراط مفكرين عرب معروفين في هذا المشروع.
ولعل مؤسسة “راند” الأمريكية رائدة ولا شك في هذا المجال، بتقديمها للدعم المادي للحكومات وتدريبها للكوادر العربية واحتضانها لكل مفكر مناهض للإسلام. انطلاقا من التركيز على الموقف السياسي للإسلام من الآخر ولنقل بشكل واضح من الامبريالي يجد الغرب نفسه في مواجهة مباشرة معه، فهو يريد شعوبًا خنوعة وشرائع تتماهى والهيمنة الغربية بل وتطالب بها تحت مبرر تحقيق التقدم والازدهار.
وهذا من بين الأهداف الواضحة لمؤسسة “راند”، حيث تؤكد على أنه لا بد من: نقد النظرة التقليدية بإظهار العلاقة السببية بينها وبين التخلف. وعلاقة الحداثة والديمقراطية بالتقدم والازدهار.
إذا تأملت في هذه النصيحة فستجدها أشد مبررات المنبطحين ثقافيا، ففي نظرهم الدين وخاصة الإسلام سبب كل تخلف في العالم الإسلامي، والحل الوحيد للخروج من حالة التخلف إلى حالة التقدم التخلص من الدين أو إفراغه من مضامينه.
لكن الذي يغيب عن مجموعة من المتأثرين بموجة مركز تكوين، أن مثقفي الأخير، بكثرة ما يدَّعون أنهم الممثلين الحقيقيين لتيار التنوير والحداثة بكثرة ما يشوهون قيم الحداثة والمشترك الإنساني أو الحكمة الإنسانية. لا هم عرفوا الحداثة ولا التنوير، بل مجرد راكبي الموجة مقابل دعم غربي ممسوخ.
وعادت الحداثة -التي من المفترض أن تكون بديلًا عن التنوير- إلى حيث كانت متداولة، فيما ظلّ التنوير بضاعة تخضع من وقت لآخر لعمليات تدوير وإعادة إنتاج من قبيل الوجاهة الثقافية “الفارغة” ونزعة تعالٍ لا تستند إلا إلى تاريخ وسيرة ذاتية سيئة السمعة خصمت من فرصتها لنيل القبول في مجتمعٍ، كلما سمع اسمَهَا تحسسَ عقله ودينه وتراثه، وعلاقته بمنظومة قيمه المحافظة، وعلاقته بالتاريخ، وعلاقته بالأرض.
ولعلّ ذلك ما يجعل فرص “مركز تكوين” في الحصول على بطاقة القبول في مصر والعالم العربي مسألة بالغة الصعوبة، إنْ لم تكن مستحيلة.