بطلان قصة التحكيم المشهورة بين عمرو بن العاص و أبي موسى الأشعري

يختلف التفسير التاريخي للأحداث والأعمال من مؤرخ لآخر حسب المنهج الفكري الذي يسلكه، والعقيدة التي تحركه، والمعرفة الصحيحة لسنن الله في الأنفس والآفاق ولقضائه وقدره.

وأشهر أهل البدع المكثرين من الكذب في التاريخ: الشيعة، ولذاك قال أهل العلم: “أكذب من رافضي”، وذلك لكثرة الكذب عندهم، قال الأعمش: “أدركت الناس وما يسمونهم إلا الكذابين”، وقال شريك القاضي: “احمل العلم عن كل من لقيته إلا الرافضة، فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه دينا”، وقال الإمام الشافعي: “لم أر أشهر بالزور من الرافضة”.
فالقصد أن هذه الفرقة مع كون غيرها من الفرق أيضا تكذب، ولكنها اشتهرت أكثر من غيرها باختلاق الكذب والأحاديث. (حقبة من التاريخ 38).
ومن الروايات المكذوبة والمشهورة قصة التحكيم التي أوردها الطبري في تاريخه من رواية أبي مخنف الشيعي، وفيها قوله عن عمرو بن العاص يخاطب أبا موسى الأشعري: “إنك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت أسن مني، فتكلم وأتكلم، فكان عمرو قد عوّد أبا موسى أن يقدمه في كل شيء، قصد بذلك كله أن يقدمه فيبدأ بخلع علي..” إلى أن قال: “أرى أن نخلع هذين الرجلين ونجعل الأمر شورى بين المسلمين، فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبوا.. فقال عمرو: يا أبا موسى تقدم فتكلم، فتقدم أبو موسى فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة، فلم نرَ أصلح لأمرها، ولا ألم لشعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه، وهو أن نخلع علياً ومعاوية، وتستقبل الأمة هذا الأمر فيولوا منهم من أحبوا عليهم، وإني قد خلعت علياً ومعاوية.. ثم تنحى، وأقبل عمرو بن العاص، فقام مقامه وقال: إن هذا قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه، وأثبتُ صاحبي: معاوية؛ فإنه وليُّ عثمان بن عفان والطالب بدمه.. الخ”. (تاريخ الأمم والملوك 3/71) .
فهذه الرواية رغم شهرتها إلا أنها باطلة لضعف رواتها، وعدم اتصال إسنادها، ولمخالفتها للأخبار الصحيحة، فمثلاً قوله إن أبا موسى أسن من عمرو بن العاص ليس بصحيح، فقد توفي أبو موسى وعمرو في سنة واحدة، وكان عُمْرُ أبي موسى ثلاثاً وستين سنة، وعمرو بن العاص يناهز التسعين فالأسنّ والأكبر هو عمرو بن العاص وليس أبا موسى، كما أن قوله بأنهما اتفقا على خلع علي ومعاوية غير مستقيم لعدة أمور منها:
– أن موضوع النزاع ليس على الخلافة بل على القصاص من قتلة عثمان.
– وأيضاً أن علياً قد بويع بيعة شرعية صحيحة، وإذا تم ذلك للخليفة فإنه لا أحد يملك خلعه إلا أن يأتي بما يوجب ذلك، ولم يرتكب علي رضي الله عنه ما يوجب خلعه من الخلافة.
– وأيضا فإنه قد وردت رواية صحيحة أخرجها البخاري في التاريخ الكبير وأخرجها ابن عساكر في تاريخ دمشق، تخالف هذه الرواية وهي أن الحكمين لم يتفقا على شيء محدد فيما اجتمعا له (التاريخ الكبير للبخاري 5/398).
ثم إن أبا مخنف راوي القصة إخباري تالف، قال عنه ابن معين: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: متروك الحديث، وسئل عنه مرة فنفض يده، وقال: أحد يسأل عن هذا! وقال الدارقطني: ضعيف، وقال الذهبي: إخباري تالف لا يوثق به. (انظر ميزان الاعتدال 3/419، والجرح والتعديل 7/182، ولسان الميزان 4/492).
وأبو مخنف هذا جمع بين البدعة والكذب وكثرة الرواية، مبتدع كذاب مكثر من الرواية (انظر كتاب حقبة من التاريخ 36).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *