مادام المغرب يعتمد في اقتصاده على السياحة، ويرفع شعار 10 ملايين سائح، صار من اللازم المحتم أن تشكل الحكومة المغربية -إذا كان يعنيها أن يبقى المغرب ذا قيم إسلامية وأن تحافظ على عرض أبنائها وكرامتهم- هيئات ولجنا تتكفل بدراسة الانعكاسات والآثار المدمرة التي من المؤكد أن تخلفها السياحة على مختلف الأصعدة، والتي تعاني منها كل الدول السياحية في العالم.
ومما يزيد من خطورة المسألة ويجعلنا ملزمين بالمساهمة كل من موقعه وحسب استطاعته في التحذير من مغبة التفريط في دراسة الانعكاسات السلبية للسياحة، ما يشهده العالم من حركة سياحية كبيرة كل عام تصل إلى 600 مليون سائح يقصدون كل جهات الدنيا في كل الفصول، ومن بين هؤلاء المسافرين وفود يتضاعف عددها بوتيرة سريعة، لا يقصدون المشاهد الطبيعية وبهاءها، والأرض وماءها والجبال وفضاءها، ولكنهم يهرعون إلى إرواء نزواتهم الجنسية بألوان شتى وأشكال أخرى لا توجد في بلدانهم ولا يستطيعون الحصول عليها لموانع قانونية أونفسية.
وقد أشار تقرير نشره موقع “الجزيرة.نت” الإليكتروني أنه يوجد حوالي ثلاثة ملايين طفل تحت قبضة الاستغلال الجنسي كل سنة أغلبهم من أطفال الشوارع.
ووفق بيانات اليونيسيف يوجد حوالي 200.000 سائح جنسي لا يتركون جهة من جهات العالم إلا حلوا بها وارتحلوا إليها، سواء كانت غنية أو فقيرة.
ويخرج السائحون الجنسيون من الولايات المتحدة الأميركية ومن كندا وأوروبا الغربية واليابان وأستراليا والصين… وأربعة من كل عشرة منهم يتجهون نحو تايلند، وأقلية صغيرة منهم تسيح عبر شبكة جنسية منظمة، بينما الأغلبية يسافرون مستقلين عبر مسار قديم معروف أو عبر أسفار عمل.
وتستولي السياحة الجنسية على نصيب متصاعد من دعارة الأطفال القاصرين حسب معطيات اليونيسيف، إذ يوجد حوالي ثلاثة ملايين طفل تحت قبضة الاستغلال الجنسي كل سنة أغلبهم من أطفال الشوارع.
وتعد السياحة الجنسية تجارة مربحة للمنظمات الإجرامية، ويتعلق الأمر بصناعة حقيقية تزن حوالي خمسة مليارات دولار.
وتعرف الخريطة الجغرافية للسياحة الجنسية تطورا مستمرا وتحولا يستجيب للقوانين المتبعة في كل بلد، فلما اتخذت تايلند والفيليبين إجراءات صارمة ضد المعتدين ولوا وجوههم شطر وجهات جديدة مثل كمبوديا ولاوس اللتين كانتا من الأماكن المقصودة من قبل.
والآن تساق كثير من الفتيات القرويات الفقيرات القاطنات في ضفاف دلتا نهر الميكونغ الطويل من طرف القوادين مقابل 500 دولار.
ومن الجهات الجديدة الهند خاصة منطقة غويا، وقد قصدها سماسرة الاستغلال بعد تشديد الفيليبين لقبضتها، حيث وصل رقم الأطفال من ضحايا السياحة الجنسية إلى حوالي 100.000 طفل.
ومنها كذلك أميركا اللاتينية، إذ بعد أن انتشرت الظاهرة في البرازيل وكوبا، أصبحت كوستاريكا وجمهورية الدومينيك مستنقعات جديدة للسياحة الجنسية.
وحسب المنظمات المدنية النشيطة بكوستاريكا يوجد حوالي 250 وجهة لدعارة القاصرين، وبالنسبة للمنظمة الكوستاريكية للدفاع عن حقوق الطفولة والمراهقة يتعرض نصف القاصرين للاستغلال الجنسي بين سن الثامنة وسن الثانية عشرة، ومن المحتمل جدا أن يكونوا قد عانوا من أشكال العنف الجسدي والجنسي من قبل.
ومن الجهات أيضا جزر الكاريبي، وتضرب كوبا مثلا لتلك الجزر، حيث تنتشر دعارة القاصرات شاهدة على حقائق مجتمع متفسخ، وكذلك الأمر بالنسبة لجمهورية الدومينيك، إذ تستقبل سانت دومينغ كل سنة حوالي مليوني سائح [30% منهم من أميركا الشمالية، و60% من ألمانيا، و96% من السائحين رجال].
وحسب إحصائيات اليونيسيف يمثل هؤلاء السياح زبائن للأطفال والفتيات بنسبة تتراوح بين 30% و80%.
وتقول إحصائيات اليونيسيف إنه من بين الأطفال والفتيات الدائرين في رحى الاستغلال الجنسي توجد نسبة 30% ممن تتراوح أعمارهم بين 12 و15 سنة، وإن مجموع الأطفال المستغلين يصل إلى 25.000 طفل، 63% منهم فتيات.
ومن وجهات السياحة الجنسية أفريقيا، لأنه بعد كارثة تسونامي التي ضربت جنوب شرق آسيا في ديسمبر 2004، أصبح السياح الجنسيون يتوجهون إلى بلدان أفريقية مثل المغرب وموريتانيا والسنغال وكينيا ومدغشقر وزامبيا.
وتشير الإحصاءات إلى أنه بين عامي 1995 و2000 اعتقل حوالي عشرين بريطانيا في تايلند بتهمة الغلمانية دون أن يحاكم أي واحد منهم، وكانت أول مرة يحاكم فيها سائحون جنسيون بريطانيون هي سنة 2000.
وبوصفنا بلدا مسلما ما زال المواطن فيه يدين بالإسلام ويعتبر الحرام حراما والحلال حلالا رغم الهجمات العلمانية الشرسة على معتقداته وقناعاته وسلوكه، وجب علينا أن نتجند لإبراز الأخطار التي من المؤكد أنها ستصاحب ارتفاع عدد السياح الذين يقصدون بلدنا خصوصا وأن الكثيرين منهم لا يتورعون في هتك الأعراض وترويج المخدرات ونشر الرذيلة بأنواعها، وما فضيحة الأقراص المدمجة إلا باكورة ما تتوعدنا به السياحة مستقبلا، مما سيزيد من انتشار داء السيدا الفتاك الذي يعتبر من أهم الآثار الخبيثة والخطيرة الناجمة عن السياحة في مختلف الدول التي تعتمد على هذا القطاع في نشاطها الاقتصادي، ولا أدل على ذلك من كون أكبر نسب ومعدلات المصابين بداء السيدا بالمغرب تسجل في المناطق السياحية كآكادير ومراكش.
وهذا ما يزيد من إلحاحية طرح الأسئلة الأخلاقية على مستوى مطبخ القرارات، وعدم تركها مجرد سجلات بين الأحزاب السياسية العلمانية والأخرى ذات التوجه الديني، وما يستتبع تركها دون حل من دمار محقق على النسيج الديني والاجتماعي والثقافي المغربي في المستقبل القريب.