لقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن لا تستقيم حياة الناس إلا باجتماعهم، ولا يستقيم اجتماعهم إلا بإمام يُسمع له ويطاع في المعروف فـ”السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين فيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم” جامع العلوم و الحكم.
قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ” النساء 59.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: “من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني” متفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر: “وفي الحديث: وجوب طاعة ولاة الأمور، وهي مقيدة بغير الأمر بالمعصية، والحكمة في الأمر بطاعتهم: المحافظة على اتفاق الكلمة لما في الافتراق من الفساد” فتح الباري.
لقد اختص أهل السنة والجماعة وأتباع السلف الصالح بهذا المميز عن غيرهم من الفرق والطوائف والنحل؛ فإنهم -أي أتباع السلف- يطيعون ولاة أمرهم في المعروف، في المنشط والمكره، سواء كان ولاة الأمر معهم أو كانوا عليهم. أما غير السلفيين فإنهم يطيعون ولاة الأمر، ما كانوا على طريقهم ودانوا ببدعهم وساروا على منهاجهم وسلوكهم، أما إن خالفوهم أو ناوءوهم فإنهم يَخْرجون عليهم، ويؤلبون الناس عليهم وينشرون في العباد مثالبهم ومَنَاقصهم ويجعلون سِيَرهم حديث المجالس والمنابر والإذاعات والصحف والمجلات ولا يذكرونهم إلا بأسوأ الذكر.
وأهل السنة إذ يتركون سبيل ذلك وسلوكه فليس الحامل لهم عليه الجبن والضعف والخور ولا الخوف والوجل؛ معاذ الله فقد شهد التاريخ أن أشْجَعَ الناس هم أتباع الرسل، وأن أجبنهم هم المخالفون لهم، ولكن أهل السنة لما قرؤوا كتاب الله وتعلموا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ودرسوا منهج السلف الذي اتخذوه سبيلا وجدوا كل ذلك يأمرهم بالطاعة لولاة الأمر، ويحرم عليهم الخروج عليهم فقالوا سمعنا وأطعنا وبِشرع الله تعالى رضينا وآمنا ولمنهج السلف اتبعنا، ولو كان الخروج عن الحكام خيرا ودينا لسبقونا إليه.
فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يُؤمر بمعصية فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة” متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عليك السمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة2 عليك” رواه مسلم.
وعن أسيد بن حُضير أن رجلا من الأنصار خلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “ألا تستعملني؟”
فقال:”إنكم ستلقون بعدي أثرة2، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض” رواه مسلم.
إن تَلَبُّس ولي الأمر بالمخالفات واقترافه للمعاصي ليس مسوغا للخروج عليه ولا سببا شرعيا لترك طاعته في المعروف فعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا ننابذهم بالسيف؟
قال: لا، ما صلوا” رواه مسلم.
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” خيار أئمتكم الذين تحبونهم و يحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم3، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم.
قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟
فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة” رواه مسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات، فميتة جاهلية” متفق عليه.
وفي حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك، وأُخذ مالك” رواه مسلم.
وعلى هذا إجماع السلف رضوان الله عليهم يقول الإمام أبو جعفر الطحاوي:”و لا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، و لا ندعو عليهم، و لا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة” العقيدة الطحاوية.
ونقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال إجماع الفقهاء “على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن للدماء، وتسكين للدهماء.. ” الفتح.
نسأل الله تعالى أن يهدي المسلمين وولاة أمورهم لما هو صلاح الدنيا ونصر للدين، ونسأله سبحانه أن يجمع كلمة المسلمين على الحق والدين، وأن يوحد صفهم وأن يبصرهم بما يراد منهم، إنه بكل خير كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.