يعتبر حي سيدي يوسف بن علي من أكبر أحياء مدينة مراكش مساحة وساكنة -إن لم يكن أكبرها على الإطلاق- فهو حي آهل بالسكان حيث يبلغ عددهم قرابة المليون، يمكن تصنيفهم في الطبقة الضعيفة ذات الدخل المحدود، لذلك عرف توافد أهل القرى المجاورة للمدينة بكثافة خلال العقدين الماضيين. هذه الظروف وغيرها كانت أحضانا مناسبة لتفشي الجريمة وما يؤججها من مخدرات وذعارة وخمور واغتصاب وقتل وشعوذة وقطع الطريق ونهب وسلب ومشاحنات و.. أسهم في إذكائها بقوة الاختلاف الكبير في مشارب الشرائح الاجتماعية وتضارب العادات والتقاليد من جهة، والتهميش الذي عرفه الحي على مستوى البنية التحتية من إنارة وماء صالح للشرب ومجاري التطهير من جهة ثانية.
وفي عام 1991 سطع نور دار القرآن الكريم وسط هذه الأجواء المظلمة ليبدد بضيائه كثيرا من الأمراض الاجتماعية، فكتب الله استقامة كثيرين من أباطرة المخدرات ومروجي الحشيش، وتابت ثلة من المجرمين على يد دعاة هذه الدار المباركة، مما شهدت به السلطات المحلية بل اعترف البعض بالعجز عن احتواء هذا الواقع الموبوء، ولولا الحرص على مشاعر هؤلاء الأخيار ممن حسنت استقامتهم وتهذبت سيرته لذكرتهم بالأسماء.
وبقي هذا الأثر المبارك وهذا التأطير الرائد وذاك التوجيه الهادف في احتضان شبيبة الحي وطفولته ذكورا وإناثا، في وسطية واعتدال يشهد به المآلف والمخالف، فسطعت نجوم القراء من بين رواد هذه الدار المباركة، وتوالت أعداد طيبة من حفظة كتاب الله وحملته المتقنين ذوي الأصوات الندية الذين عمروا جنبات المساجد في صلاة التراويح خيرا وبركات.
وفي ليل بهيم ونهار كالح توصد أبواب الدار وتجفف منابع هذه العين الرقراقة المباركة من غير ذنب ولا جريرة، لتفسح المجال من جديد للسوء وأهله أن يتعالى ويتباهى كما جرت بذلك السنن الكونية، فسمعنا في الآونة الأخيرة عصابات لحدثاء لا يتجاوز أعمارهم الاثني عشر ربيعا، حيث تحقق الرقم القياسي لأصغر رئيس عصابة وهو ابن عشر سنين، يترأس خلية مدججة بالسلاح الأبيض تباشر أعمال النهب والسرقة وقطع الطريق روعت الآمنين؛ حسب ما تناقلته الصحف (وقد أكد مراسل السبيل الخبر الخطير بعد استجواب بعض المتضررين من جرائم العصابة ومنهم المسمى ع.ق الذي تعرض لطعن بالسكاكين في وجهه)، وهذا كله يعد تحديا صارخا أمام المسؤولين في ضرورة إشراك دار القرآن عنصرا فاعلا في تحقيق الأمن والأمان والإصلاح، والإسراع باتخاذ القرار الجريء من المنصفين من ذوي المسؤولية لإعادة فتح العين الجارية بإذن ربها رقراقة يرتوي منها العطشى روحيا.