طوابير من المرضى تشد الرحال إليه -حرصا على لقائه- وتأتيه من كل فج عميق، شق طريقه إلى العالمية.. غزا أوروبا الشرقية، زار كرواتيا واستقبله رئيسها ومنحه الجنسية، تلقى دعوات من مسئولين كبار، واعتزم -تقول جريدة المساء- إنشاء قناة تلفزية بروسيا، ساعدته على شهرته وسائل الإعلام التي خرجت باطله في صورة اليقين، فانطلت خدعته على العديد من المبتلين، فاعتقدوا أنه يشفي العرب والعجم، ويبرئ العليل السقيم، يداوي المصابين ويكشف الضر، وظنوا أخيرا أن الرجل جاء بفتح عظيم.
لذا كان حقيق علي أن لا أ قول في “فتوحاته ” إلا الحق، وأن لا “أحلل ظاهرته” إلا من زاوية الصدق، والله من وراء القصد..
يعالج المكي بالمصافحة واللمس وبالعناق “فلنعش رجبا نرى عجبا”، تقول فاطمة إنه شخص مرضها بمجرد السلام عليها، دون الاطلاع على الفحوصات الطبية..
سوف نلقي نظرة على نشأته، ونقف مع القارئ عند بعض معتقداته و تكهناته، التي تدين “كراماته”، والتي يستحيل معها أن نجزم بأنه من رجال الله الصالحين، وتقتنع إن شاء الله تعالى بأنه مخرف من الكهنة المشعوذين، نفعل ذلك لكي تتضح الرؤية -المضببة إعلاميا- للناس، ويبهت من يعتبره الترياق المجرب.
يقر الترابي بأنه كان يرافق أباه إلى الأولياء والأضرحة، ويدعي علم الغيب، فيقول بأنه حذر يهوديا بفرنسا من الذهاب إلى حفل لكي لا يموت. وأن زوجته ماتت في حادثة لما غادرت البيت. يقول أيضا: أنه بشر بلقاء الملوك والأمراء وأنه أحيانا لا ينام لا ليلا ولا نهارا. و أن الجن لا يقتربون منه وأن المسافة بينه وبينهم تبقي على بعد 150 مترا. وزعم باختصار أن له كشفا وله قدرة، وأن كرامته لا يمكن أن تظهر مرة أخرى حتى يمر من الزمان 857 مليون سنة!!
فما موقع المكي الترابي من العلم ومن الكتاب والسنة؟ وأين يتجلى امتثاله لله تبارك وتعالى وصلاحه وتقواه وهو يدعي علم الغيب؟ وهل هذه عقيدة الصالحين أم عقيدة الجهلة المخرفين؟
إن الكرامة تجري على أيدي عباد الله المؤمنين الذين شهدوا -علما و عملا- لله عز وجل بالوحدانية، وأيقنوا بتفرده بعلم الغيب، وعبدوا الله تعالى بالعلم، وأحرزوا ثمرته، وهي خشيته سبحانه وتعالى والخوف منه، فكيف يحق للخرافيين أمثال الترابي أن يتسنموا غاربها، ويتوجوا بزينتها؟
لا جرم إذن أيها القارئ أن ما عليه الترابي هو من الأحوال الشيطانية لا الرحمانية، ولا أدل على ذلك من انحراف عقيدته، وادعائه علم الغيب وفساد حاله و أقواله، و حتى أعدل -والعدل أقرب للتقوى-، أذكر أن الجريدة الآنفة الذكر، قد بثت شهادات لمرضى خاب أملهم في الشفاء على يدي الشريف المكي، وهذا أمر طبيعي لأن من يتخذ الشيطان له قرينا لا يكون دائما من الصادقين، خصوصا بعد إشراق البعثة المحمدية وبعد أن ملئت السماء حرسا شديدا وشهبا.
فبماذا يمكن أن تعقب الأستاذة الجامعية ا لتي تصدت للدفاع -بمدينة الدار البيضاء- عن الترابي وأخذت توسوس في آذان الصحافة انتصارا -لخوارق عاداته-؟
إن الشرع الحنيف يأمرنا بالتداوي والله عز وجل أنزل الداء وأنزل الدواء، لكن التماس التداوي يطلب من ذوي الاختصاص من الأطباء، ومن ذوي الكفاءة كما حددت الشريعة ذلك. إن الإسلام ينهانا عن الإيمان بالجبت والطاغوت، وبالفكر الخرافي ويحذر من تصديق الكهنة والعرافين. قال الله عز وجل: “يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ”، قال عمر رضي الله عنه: الجبت، “السحر”، والطاغوت: “الشيطان”. و قال جابر: الطواغيت كهان، كان يتنزل عليهم الشيطان” رواه البخاري تعليقا.
وروى الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة أربعين يوما”.
وروى أبو داوود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم”، الكاهن هو الذي يأخذ عن مسترِقي السمع، وكانوا قبل البعثة، وأما بعد البعثة فإنهم قليل، وأكثر ما يقع في هذه الأمة ما يخبر به الجن أولياءهم من الإنس من الأشياء الغائبة، بما يقع في الأرض فيظنه الجاهل كشفا وكرامة، وقد اغتر بذلك كثير من الناس، يظنون المخبر لهم بذلك عن الجن ولِيَّا لله وهو من أولياء الشيطان”.
قال البغوي: “العراف هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك”.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “العراف اسم للكاهن والمنجم والحارز الذي يدعي علم الغيب ويدعي الكشف” (فتح المجيد ص:243-241-240).
يتعين على الإعلام الهادف الذي يروم تقديم النفع للعباد أن يسترشد بهدي العلماء الربانيين في تحليل الظواهر وتوضيح البنيات من الأصول، ودفع الخزعبلات والشبهات عن العقول، عوض استشارة “مفسرين” حداثيين يقولون في الدين بالرأي وما تهوى الأنفس، وإيمان البعض منهم بالتشريعات الأممية أكثر من إيمانهم بما قال الله ورسوله، وكيف يتسنى لمتطفلين ليس لهم لا في العير ولا في النفير أن يقيموا “النوازل” من منطلق معتقد سليم ليله كنهاره؟
إنه من الواجب علينا أن نُعِدّ جيلا صحيح العقيدة، يجتنب المعاصي وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما زجر، ويعبد الله تبارك وتعالى بما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أمر، تحقيقا لقوله عز وجل: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ”، ويدعو إلى التوحيد بالحكمة وبالتي هي أحسن، وما أجمل ما قاله ابن المعتز:
فيا عجبا كيف يُعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
ولبلوغ المراد، على الناشطين في الإعلام أن يفسحوا المجال لأهل الذكر، لأن الدين كتاب وسنة وفهم لهما بفهم السلف، لا يخالف في هذا إلا شقي ولا يترسم خطواته إلا تقي، وما أحسن ما قال ابن تيمية:
والجهل داء قاتل شفاؤه *** أمران في التركيب مختلفان
نص من قرآن أومن سنة *** وطبيب ذلك عالم رباني
وإنه للأسف وعلى خلاف ما نتمناه أصبحنا نرى الساحة الإعلامية في هذه الأيام العجاف، خاوية على عروشها من حضور الأئمة الثقاة القادرين على إماطة الأذى عن حياض الدين، في حين يتبوأ مكان الصدارة في مخاطبة المسلمين نفر من حماة العلمانية الشهوانية التي ما فتئ المغرمون بها يكيلون التهم ضد أمة الصراط المستقيم والاعتقاد السليم، ويبيتون النية لتقويض ثوابتنا الدينية والوطنية مستعينين في تحاملهم هذا بسكارى التصوف البدعي لا السني.