المغرب الشرقي.. 1- احتلال تازة (2/3) ذ. إدريس كرم

في الحلقة السابقة تم استعراض الجهود المبذولة من أجل اختراق القبائل المحيطة بتازا تمهيدا لغزوها؛ وفي ما يلي القسم الثاني من تقرير أُكيست برنار ضابط الاستعلامات بمركز امسون:

“القبائل القوية للبرانس تتكون من أربع مجموعات هي وربة، بني بوفلا، بني يكون، والطايفة، الأخيرتين فقط هما اللتان لهما علاقة مباشرة معنا، حول مكناسة وعلى ضفاف واد وارتزا.

أعيانهم يتواصلون مع دائرة امسون في علاقات مستمرة، كما أن تجار الناحية يغشون سوقها بكثرة، جالبين له الأبقار لبيعها للإدارة العسكرية، أما باقي الفخذات فهي غير مبالية بمشروعاتنا التي يتصورون أنها محدودة في ناحية تازا بعيدا عنهم.

البرانس الذين دعموا غياتة سنة 1913 ضدنا هم اليوم هادئون تاركين الطريق مفتوحة سالكة، الكونفدرالية الكبرى تامازيرت لبني وراين الأكثر خطورة بالمغرب تنقسم لمجموعتين متميزتين تفصل بينهما غياتة لا وئام بينهما تقريبا، هما بني وراين غرابة، وبني وراين شراكة.

بني وراين غرابة تولي وجهها نحو فاس وسبو، وبني وراين شراكة تولي وجهها نحو ملوية مفضلة المغرب الشرقي، الفخذات الخاضعة لنا على اتصال مع بني عزيز وبني منصور، وأهل تايدا وأهل تلات.

بنو عزيز وبنو منصور يقطنون في دزيرة ومتريد جنوب مليلو بين هذين النهرين وجبل إيكلي، دواويرهم على بعد بضع كلمترات عن طريق السكة الحديدية.

قبطان الصفصافة الذي يتحدث البربرية أعاد التعسكر بين واد مليلو وواد لقطاف.

بني عزيز صاروا يترددون على مراكزنا حاملين لمن فيها من الجنود الحليب والبيض والخراف والدواجن، وأعيانهم زاروا مركز قيادتنا بكرسيف في يبراير 1914.

بعض سكان أيت تايدا المنعزلين في الأطراف المتاخمة لنا هم فقط الذين يؤمون سوق امسون والصفصافة، أما مجموع الفخذة فمتسمون بالرفض المعادي لنا، لكنهم لم يقوموا لحد الآن بأي تحرك جاد للاقتراب منا، بالرغم من شدة تذمرهم من احتلالنا من بني عزيز، ويمتلكون خيلا أكثر من غيرهم، ويقومون بالإغارة على هوارة في السهل، بينما أهل تلات يسكنون في أعالي واد مليلو وروافده، بعيدين عن منطقة احتلالنا بمسافة كبيرة، ومع ذلك هاجموا مفرزة دراسات إنشاء الخط الحديدي العسكري بين الصفصافة وامسون في أكتوبر 1913.

وقد تغير موقفهم منا منذ أن زار ممثلوهم مركز امسون أواخر 1914، كما تم إقامة علاقة حسنة مع شرفاء زاويتي سيدي امبارك وسيدي بلقاسم أزروال أهم ممثلي السلطات الدينية المعتبرة من قبل بني وراين.

نحن على بينة من أن بني وراين اشراكة لن يتدخلوا قطعا بفعالية ضد عمليات سيرنا نحو تازا، مما يعتبر حيادهم أكبر مكسب سجلته سياسة التدجين والتطويع بواسطة الإعداد السياسي بالمغرب والذي لم يتحقق له مثيل بعد في هذا البلد.

غياتة معروفة ومشهورة من زمان بشجاعة أهلها وكرههم الشديد لنا، بيد أن لكل فخذة مستواها في تلك المعاداة بدء من أكتوبر 1913، وقد ظهر انفراج في ذلك الجو المشحون بالبغض والكراهة لاحتلالنا بعدما تم لقاء بين أعيان بني بوحمد وبني ودجان وبني بوكيوط في المتواجدين في الأودية الموجودة بالجوار المباشر لتازا بعدما قدموا عند كومندار دائرة امسون، هذه الزيارة أدت لربط العلاقة مع الشريف سيدي هاشم بن الحاج مدني من منطقة ورغين وشرفاء آخرين.

فقط ميتاركا الساكنين بالجبل بقوا متمسكين بمعاداتنا وإن كانت جماعتهم قليلة فإنهم مع ذلك بقوا مراقبين ضفاف واد بولجراف حتى لا نستخدمه كمعبر.

بقية الفخذات أظهرت مواقف مترددة، لكن لا يوجد بينها من يحرص على التوحد والحشد لمقاومتنا.

لقد تسبب الابتزاز الممارس من قبل بني بويحيى ولمطالسا، على طريق مليلية المؤدية لغياتة المحافظين على العلاقات التجارية مع امسون، في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، في الوقت الذي منعت فيه الطريق المؤدية لتازا على كل من اشتبه في أنه يعمل لصالح اختراقنا، مما فرض المرور عبر الطريق المارة بمكناسة الفوقانية.

وصار حقيقة أن سكان تازا يتمنون قدومنا كي يخلصوا غياتة من النهب والسلب كما كتب ربير دو كيي (طبيعي أن النمل يقاتل دفاعا عن الأغذية التي يعيش بها في حين أن الترحيب بالغريب يحررها).

مركز امسون حقق في بحر مارس تعارفا جيدا في الشمال عند اولاد بورما واولاد زمور، فخذة بني بويحيى جنوب بني وراين وشرق اتجاه تازا.

تعارف 16 مارس دفعنا لغاية كدية الجماعة على ضفاف واد بولجراف على بعد 17 كلم من تازا.

غليان كبير خيم على لمطاركا الفرقة الأكثر تشددا وعداء لنا في غياتة كما قلنا سابقا، الصعوبة الأولى الأساسية للطريق تمثلت في أودية عميقة محصورة بين أجراف بعمق ما بين 15 و18 مترا مما يمنع مرور العربات ومدفعية الميدان، فقط الحيوانات هي التي يمكنها اجتياز النهر.

لقد رأينا مقدار العناية التي أحطنا بها إعداد سياسة احتلال تازا، والتي لم نكن ننتظر فيها مساعدة أو أي شكل من أشكال الدعم، المتحدث مع الفخذات أعطاها كل ما كانت تنتظر منه، من جهة أخرى نحن متواجدون في امسون على بعد أقل من ثلاثين كلم من تازا، وقد صرنا ملزمين بحماية هوارة عند توجههم للحصاد في السهل بين امسون وتازا.

من جهة أخرى وجب علينا التصرف مع القبائل المعادية قبل أن تجمع محاصيلها الزراعية وتضعها في مخابئ بالجبل، كما وجب انتهاز فرصة جودة الفصل لدفع أشغال إنشاء الخط الحديدي العسكري نحو تازا الذي كان قد وصل من قبل لمسون.

وأخيرا لم نتأخر عن تقديم انطباع للأهالي بضعفنا وتهيبنا الاستمرار في الاحتلال بدل إعطائهم الانطباع بالقوة الضرورية للقيام بذلك مما يزيد في استرخاء المتوترين والمحرضين على مهاجمة مشاريعنا الإنشائية.

احتلال تازة كان مثل فاكهة ناضجة قريبة من الانفصال عن شجرتها، بعض المعلومات التي قدمها ميسمي عن طريق الجنرال جراردو المتعلقة بكلفة الحرب قال فيها: (بأن عملية تازا كانت صعبة منذ سنتين لحداثة تواجدنا بملوية، في حين أن فاس هي نقطة الوصول لطريق طويل المحطات يبلغ 250كلم، بعد استقرارنا في ملوية وامسون تم تذليل العديد من الصعوبات، فالسكة العسكرية تم تشييدها بين ملوية وامسون وبين فاس وتيسة بسرعة فائقة مما جعل أمر الاختراق المتواصل للقبائل المعادية بمثابة لعب أطفال، وأصبحت العراقيل المقامة أمامنا لإفساد ذلك الاختراق وعرقلته من قبل عديمي التبصر بلا فائدة تذكر.

صحيح أن القبائل الكبرى المجاورة لخط سيرنا ستبحث بلا شك عن التمركز والتجمع لمهاجمة مراكزنا بمجرد إنشائها، على كل حال العملية لن تكون صعبة ولا شاقة مثل غيرها منذ سنتين خلت والتي كان لا بد منها).

الحوادث المثبتة المسجلة في تفاؤل ميسيمي الواسع، دليل على أن العمل الذي قامت به مصلحة استعلامات المغرب الشرقي بإشراف الكومندارين كانافي و موكين كان جيدا كما بينا سابقا.

احتلال تازا نفذ يوم 10 مارس بدون مصاعب تقريبا، بني وراين لم يتحركوا وكذلك البرانس ما عدا بعض فخذات من غياتة قاموا ببعض المقاومة، لكن يجب التمييز بين احتلال تازا خاصة وربط المغرب الشرقي بالمغرب الغربي عامة.

هذه العملية الأخيرة لاقت صعوبات وعراقيل حقيقية، حيث تم تجميع جهود القبائل المقاومة لنا بين سوق أربعاء تيسة وتازا، في مواجهة قوات الجنرال كورو الذي اصطدم بثلاث قبائل في طريقه هي البرانس والتسول وغياتة في معارك 10 و12 ماي، كانت الأدمى والأقسى مما تم من معارك بالمغرب.

في 16 ماي تم تواصل واجتماع كولون الشرق وكولون الغرب بمعركة مكناسة التحتية غرب تازة قبل أن تدخل تلك القوات مجتمعة المدينة يوم 17 منه بقيادة ليوطي، حيث أقيم بعا استعراض عسكري، وتم بعث برقيات النصر لمن يهمهم الأمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *