إن اتهام علماء المجالس العلمية ومن حذا حذوهم السلفيين عموما، وأبناء دور القرآن خصوصا ببغض المذهب المالكي وتراثه وأعلامه كذبة أوسع من الغبراء وأكبر من أن تظلها الخضراء، وكبوة لا يشملها المثل القائل “لكل جواد كبوة”، والحقيقة أني حاولت أن أجد لهؤلاء عذرا واقعيا في نطقهم بها وتأكيدهم لها فلم أفلح لأنني أدرك يقينا أنهم من أوائل من يعلم جهودهم المباركة في خدمة تراث المذهب المالكي تأليفا وتحقيقا وجمعا وتدريسا وتعليما..ومع ذلك ينسون كل هذا الفضل لأهل الفضل، ويكذبون عليهم ويصادرون ودهم …لست أدري لماذا؟ ولصالح من؟
فما أقبح الحسد والبغضاء إذا انتشرا بين أهل العلم، وهم الرواة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: “دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين” أخرجه الترمذي وأحمد وصححه الألباني في الإرواء.
فعناية السلفيين من أبناء دور القرآن بالمذهب المالكي، أشهر من نار على علم، لست أعهد هنا لتبيان ذلك بالتفصيل والإطناب…لكني أضرب مثالا واحدا في هذا الباب.
فمن هؤلاء الأبناء البررة مؤسسو نادي الإمام مالك العلمي بكلية الشريعة أيت ملول، الذي طلعت شمسه بأرض سوس يوم الجمعة 20 ربيع الأول 1429 / 28 مارس 2008 في حفل افتتاحي بهيج… هذه الثلة من أبناء دور القرآن أخذتهم الغيرة الصادقة على المذهب المالكي فأسسوا ناديا باسم الإمام مالك وجعلوا من أول وأبرز أهدافه التي يسعى إلى تحقيقها -كما هو مسطر في قانونه الأساسي-:
* العمل على التعريف بالتراث الإسلامي والفكري والعلمي الذي عرفه المغرب على مر العصور.
* بيان الإشعاع العلمي والدعوي لكلية الشريعة ودورها في توعية الناس علما وعملا.
* التعريف بعلماء المغرب خصوصا والعالم الإسلامي عموما وبيان إسهاماتهم في الدفاع عن الإسلام ومقدساته.
* التعريف بمصادر الشريعة الإسلامية.
* التعريف بتاريخ المغرب وحضارته عبر العصور.
ومنذ تلك اللحظة وهو يعمل كل ما بوسعه للدفاع عن عقيدة الإمام مالك ومذهبه والتعريف بأعلامه ومصادره، حتى طبقت شهرته الآفاق، وتهادت أخباره الرفاق…وأصبح صرحا علميا فريدا من نوعه في تاريخ الجامعات المغربية فلله الحمد والمنة.
ومن إنجازاته المتعلقة بهذا المجال أذكر ما يلي:
أولا: أسبوع علمي تحت عنوان: “جهود العلماء في حماية إرث الأنبياء الإمام مالك نموذجا”.
حضر فيه جمع من أهل العلم والفضل، وشنفوا أسماع الحضور بمحاضرات قيمة مؤصلة عن الإمام مالك ومذهبه على النحو التالي:
– المحاضرة الأولى: مسؤولية المرأة المسلمة في تنشئة العلماء أم الإمام مالك نموذجا. (خاصة بالطالبات).
– المحاضرة الثانية: عقيدة الإمام مالك من إلقاء الأستاذ عبد الرحيم أيت هكو.
– المحاضرة الثالثة: عناية الإمام مالك بالحديث من إلقاء الأستاذ محمد شوقي.
– المحاضرة الرابعة: أصول مذهب الإمام مالك من إلقاء الأستاذ الدكتور مولاي الحسين ألحيان (رئيس المجلس العلمي لإنزكان حاليا).
ـ محاضرة ختامية تحت عنوان: “صلاح الأمة في الرجوع إلى القرآن” من إلقاء الشيخ حسن الشنقيطي.
ثانيا: إصدار مكتبة السادة المالكية المصورة، وهو عمل كبير وفريد من نوعه، قام به النادي تيسيرا لطلبة العلم الشرعي عناء التنقيب عن المصادر وجمعها، وقد لقي ترحيبا كبيرا من لدن أساتذة كلية الشريعة بأكادير، وانتشرت المكتبة في مناطق شتى من المغرب، ووصلت إلى بعض المجالس العلمية فأعجبوا بها كذلك.
وهي مكتبة تضم أكثر من 135 كتابا مصورا بما يفوق 500 مجلدا موزعة على مختلف الفنون والعلوم التي يزخر بها تراث المذهب المالكي من عقيدة وفقه وحديث وتفسير وأصول وتراجم…وغيرها.
ولو تتبعت أنشطة النادي في الدفاع والعناية بتراث المالكية لاحتجت لصفحات عديدة، لكن يكفي اللبيب ما ذكرته ومثلت به، ومن أراد مزيد معرفة بالنادي وأعضائه من أبناء دور القرآن، وحبهم للمذهب المالكي، وثوابت الأمة المغربية فليسأل إدارة الكلية وأساتيذها، وليسأل طلبتها ممن يحضرون أنشطته ويستفيدون منه.
أقول هذا الكلام ليفهم بعض الناس ممن يحاولون التشغيب على دور القرآن ومنهاج شيوخها وأبنائها، بأنهم يبغضون مالكا ومذهبه ويشقون عصا الطاعة ويخالفون ثوابت الأمة التي اجتمع المغاربة عليها.
فهؤلاء هم أبناء دور القرآن يؤسسون صروحا للدفاع عن المذهب المالكي، فأين أبناؤكم يا من ينادي بإغلاقها، ويتباكى على وحدة المذهب ولما يقدم له شيئا يذكر، والله المستعان.