“الساعة تجاوزت الواحدة ليلا، ووفود “مغرب السخافات -عفوا- الثقافات” للتو عائدة إلى بيوتها بعدما ارتوت من رجيع مهرجان موازين، وما اجتمعوا حوله من رقص وغناء فوق رمال شاطئ سلا في المنصة التي أعدوها للسلويين تكرما عليهم فهم جيران العاصمة، ويستحقون كرم الترقيص وتهزيز الأرداف..
الواحدة ليلا والوفود التي أغلبها أطفال قاصرين، ذكرانا وإناثا، تقودهم أمهات أغرتهن الرنات وأوتار الكمان، على أن يستحضرن أهمية وخطورة الفترة التي يمر بها أطفالهن، من كونها أيام الاستعداد إلى امتحانات آخر السنة التي ستتوج نتائجها مسارهم الدراسي بعد عام من الذهاب والإياب وحمل الأقلام والدفاتر والكتاب..
طفل لم يتعد العشر سنوات، وطفلة تجاوزته بعامين أو ثلاث، حتى هم شاركوا في موازين، وعن مستوى دراستهم الكارثي اعتادوا أن يقولوا “العام زين”..
غلام في عقده السادس أو السابع عشر، يعانق قاصرا لم تتجاوز 14 أو 15 عاما.. وهما عائدين إلى منزليهما بعدما استفادا جيدا من دروس المغنين والراقصات، ومن ثقافة الاستحمار والاستغباء، وتزيين مثل هكذا شهوات..
ضجيج وكلام بصوت مرتفع بقيت أسمعه حتى بعد دخولي بيتي الذي يبعد عن الشارع بمائتي متر تقريبا.. إنهم يصرخون ليسمعوا المحرومين في مدافئهم بأنهم فوتوا فرص العمر.. حيث تفرق صكوك التسامح والتعايش وقيم النصر..
ما أتعسكم أيها النائمون.. فالقوم في فرح وسرور ويقين، بأن لا تقدم وازدهار ورقي لمجتمعنا إلا بكمان “الستاتي”، وهز أرداف “تباعمرانت”، وعروض إغراء “جيسي دجي”، ومومياء “نوال الزغبي” التي لن تشبع بعد من دراهم المغرب، ولن يشبعوا من تأتيت المنصات بها..
فليمت عبد الله بنشقرون، وكل من أراد تنمية وازدهار المغرب بالمخترعات والصناعات، فإن أهل موازين لسان حالهم ومقالهم: باقون باقون”.
هذه التدوينة كتبتها الليلة الماضية، وهي أحد أوجه السلبية المدمرة لفئات واسعة من الشعب المغربي، بسبب ما يطبع معه ويسببه مهرجان -إيقاعات العالم- موازين، ويمكن ترتيب تلك الآثار السلبية وإجمالها في النقاط التالية:
– تبذير ثورة مالية مهمة، لو تصرف على بناء المستشفيات والمدارس أو في المشاريع التنموية لكان خيرا، ولو أنها أموال مستثمرين مستشهرين، فلو فتحت مشاريع خيرية لاستقطاب هذه الأموال أفضل؛ كما أن المهرجان يطبع مع هذا السلوك المنحرف وهو صرف أموال المستشهرين في “لالة ومالي وتقرقيب السطالي” وعدم صرفها في المشاريع الدائمة التي ترجع بالنفع الكثير على المجتمع، والدليل هو عدم وجود ذلك.
– استهداف بقصد أو عن غير قصد للمسار الدراسي لجميع التلاميذ والطلبة، إذ أن التوقيت الذي يقام فيه المهرجان هو الأيام التي يكون فيها الطلبة في استعداد لامتحانات واختبارات آخر السنة؛ وكم لا ينتهي عجبي عندما أستحضر عذر المنظمين القبيح في سبب اختيار هذه الأيام، وبأنه الوقت المناسب لاستجلاب المغنيين والراقصات بأثمنة أقل تكلفة من أزمنة أخرى من السنة، وكأن لسان حالهم: لا نقدم لهم إلا الفتات (والحقيقة أنها ملايين الدراهم)، وحضورهم لإقامة المهرجان أهمّ عندنا من مستقبل كل التلاميذ والطلبة في كافة ربوع الوطن!!
– إصدار ضجيج كبير بسبب مكبرات الصوت الضخمة تؤذي عددا كبيرا من المرضى خصوصا في المنصات القريبة من المستشفيات، مثل “منصة السويسي” القريبة من أكبر مستشفيات المملكة، و”منصة سلا” القريبة كذلك من مجموعة مراكز استشفائية ومصحات.
بل إن الضرر ينتقل أيضا للمواطنين، ولنقرأ ما كتب أحدهم في جدار حسابه الفيسبوكي:
“ساكن على بعد أكثر من كلم من منصة موازين السويسي، ومعازفهم وضجيجها الضخم تمنعني من النوم وغداً يوم عمل طويل.
وبهذه المناسبة لا يفوتني أن أهنئ كل من ساهم من قريب أو بعيد، ضمنياً أو مباشرة، بإقامة هذا المهرجان، باسمي واسم مئة ألف جار لمنصاتهم، أبشرهم وأهدي لهم هذه الهدايا:
1. قوله صلى الله عليه وسلم: “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول لله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه” رواه البخاري.
2. قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلاَنَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم: “لاَ خَيْرَ فِيهَا، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ”. (رواه البخاري في الأدب المفرد).
3. ومسك الختام في حديث: “لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ” (رواه مسلم)”.
– انتشار عدد من السلوكيات المنحرفة، مثل التحرش الجنسي، واصطحاب الرفيقات وما يستتبع ذلك من محذورات، بالإضافة إلى الاختلاط والازدحام الشديد والتدافع الذي سبق وأدى إلى وفاة 11 متفرجا في دورة 2009، ناهيك عن حالات الإغماء، فقبل يومين تم نقل حامل مغمى عليها من بين جمهور أحد المنصات.
– عربدة جماهير المهرجان من الشباب الذي لا خلاق له بممتلكات المواطنين، فكم من زجاج سيارة أو محل تجاري تكسر، وكم من سب وشتم وهجوم تعرض له أناس صادفوا مجموعاتهم المشاغبة في الطريق.
وغيرها..
إن القائمين على هذا المهرجان والذي يمثل صورة من أبشع صور التبعية الحضارية للغرب في المتعة والإمتاع فقط دون تبعية علمية أو اقتصادية، لا يهمهم كل تلك النتائج السلبية بقدر ما يهمهم أن المهرجان ينشر -حسب دعواهم- قيم التسامح والتعايش بين الشعوب والحضارات!!