إعصار اقتصادي جديد يحشد غيومه الداكنة الكثيفة الآن في سماء الولايات المتحدة، ويهدد بأن يكون أخطر من التسونامي المالي الذي ضربها عامي 2008 و2009.
العنوان الأبرز لهذا الإعصار: الإفلاس.
فولاية بعد ولاية، بما فيها نيويورك وكاليفورنيا التي تعتبر خامس أكبر اقتصاد في العالم، تستنجد الآن بالحكومة الفيدرالية طالبة إلقاء طوق النجاة إليها.
وولاية بعد ولاية تجد عائداتها من الضرائب تتبخر بسرعة تبخّر أمطار الصيف، وتعجز عن الوفاء بالحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية والصحية لمواطنيها.
“مركز الموازنة وأولويات السياسة”، وهو مؤسسة أبحاث بارزة، يُقدر بأن عجز الموازنات في 44 ولاية سيصل خلال السنتين الماليتين 2010 و2011 إلى رقم فلكي يبلغ 350 بليون دولار. ومن دون مساعدة فيدرالية عاجلة، ستكون هذه الولايات مضطرة إلى صرف مئات آلاف آخرين من العمال والموظفين والمعلمين في المدارس الرسمية.
ويوضح الكاتب في “نيويورك تايمز” بوب هربرت أن الأزمة المالية في الولايات هي الأقسى منذ الكساد الكبير العام 1929، وكذا الأمر بالنسبة إلى انهيار عائدات الولايات من الضرائب، وأن الكارثة لن تقع قريباً، بل هي تحدث هنا والآن.
لعبة الأرقام تُعزز هذا الرأي. إذ لا تزال نسب البطالة العامة تفوق العشرة في المائة. لكنها في ديترويت عاصمة صناعة السيارات الأمريكية، تجاوزت حدود الثلاثين في المائة، ودفعت قطاعات واسعة من الطبقتين الوسطى والفقيرة إلى مغادرة العصر الصناعي التكنولوجي والعودة إلى عصر الزراعة، بدعم من مؤسسات دينية واجتماعية.
جنباً إلى جنب مع هذه الأزمة الاقتصادية المالية، هناك أيضاً أزمة الخلل السياسي. فالحزب الديمقراطي، الذي سيطر على البيت الأبيض ومجلسي الكونجرس وهو يرفع رايات الإنفاق الحكومي والعدالة الاجتماعية، يجد نفسه عاجزاً كلياً عن الوفاء بالحد الأدنى من هذه الوعود. والحزب الجمهوري، الذي يدعو إلى خفض الضرائب عن الأغنياء كوسيلة لتحفيزهم على زيادة الاستثمار، لم يعد في مقدوره طرح هذا الشعار، فيما خزائن الولايات تكاد تفرغ إلا من جحافل الفئران.
والحصيلة: شلل سياسي شبه تام.
ماذا في وسع إدارة أوباما أن تفعل في مثل هذه الظروف؟
إنها تنوي أن تطلب من الكونجرس الموافقة على رصد 50 بليون دولار لصرفها على إعادة ترميم البنى التحتية، بهدف توفير فرص عمل جديدة. لكن، حتى هذه الخطوة ستقابل باستهجان كبير. إذ سيتذكّر الكثير من الأمريكيين أن الإدارة صرفت، وستصرف، ما يقرب من تريليون دولار لإنقاذ المصارف العملاقة من الانهيار، فيما هي ترمي بالفتات إلى الطبقات الوسطى والفقيرة.
كما سيتذكرون أيضاً أن الحيتان المالية التي ابتلعت هذه الكميات الهائلة من الأموال الفيدرالية، لم تفعل أي شيء البتة لرد الجميل في شكل قروض ميّسرة للأسماك الصغيرة التي تشكّل الغالبية الكاسحة من الشعب الأمريكي.
الإعصار الزاحف، إذاً، سيكون عاتياً بالفعل. ومما سيزيد الطين بلّة أن ردود الفعل عليه هي الآن غاية في التباين وحتى التناقض: من الدعوة إلى إيجاد “حلول دَينية”، إلى تحميل طرف خارجي -الصينَ- المسؤولية والمطالبة بتجريد حملة اقتصادية عليها، وصولاً إلى تشجيع أمريكا على إعلان إفلاسها.