في هذه الآونة من كل سنة يتم فتح أبواب المختبرات العلمية لاستقبال ترشيحات طلبة باحثين لاستكمال الدراسة بسلك الماستر والدكتوراه، وهذا يدخل ضمن تكريس مصلحة البلاد والعباد، مصلحة البلاد المتمثلة في إعداد طاقات وكوادر للتسيير والتدبير والتدريس والتفكير فيما يجلب المصلحة العامة، وأما مصلحة العباد فإنها تتمثل في تشغيل الأفراد الحاملين لتلك الشواهد التي تخول لهم استحقاقات معيشية تضمن لهم حياة كريمة وقد تكون هذه مصلحة جزئية خاصة.
إلا أن ما يلاحظ وباستقراء جموع من الطلبة الباحثين، والذين سبق لهم أن دفعوا ملفات ترشيح لمختبرات مختلفة، هو سوء تدبير وانتقاء الملفات حيث في الغالب الأعم ما يلجأ المسؤولون عن المختبرات إلى نهج سبل لا علاقة لها بالتحضر والمعاصرة، مع عدم الإنصاف وترك الفرص لمن هو أجدر بالاهتمام، حيث تحل الزبونية و”باك صاحبي” محل الكفاءة واختيار الموضوع الأنسب لمسايرة الواقع.
ومن سوء تدبير وعدم تسهيل الطرق المفضية إلى دفع الملفات نجد انتهاج سلوك بات متقادما في ضل ما تعرفه الساحة من تقدم تكنولوجي يمكن الاستعانة به لسير العملية بشكل سلس ومرن، ومن تلك السلوكات التي صارت تؤرق الباحث الطالب:
ــ نسخ ملخصات البحوث نسخا عدة مع ضغطها في أقراص مدمجة، والتي قد لا تقرأ من قبل اللجنة لأن الترشيحات تكون كثيرة، إضافة إلى رقن التقرير الذي نراه ضروريا ولكن نرى أيضا أنه لا حاجة تدعو إلى طلب نسخ كثيرة، لأن الطالب الباحث يدفع ملفه لكثير من المختبرات العلمية لعله يفلح في عملية “سويرتي مولانا” وبالتالي يكون مضطرا لنسخ كثيرة.
ــ العدد الكبير للترشيحات مع العلم أن الانتقاء في النهاية لا يسفر إلا عن عدد قليل جدا، وإن كان هذا الأمر له علاقة بتكافؤ الفرص، إلا أن ما يحصل داخل الكواليس قد يقصي من لا صلة له بالمشرف هذا الأخير الذي قد تغلبه حميته فيختار من يعرفه بوساطة أو لغاية في نفسه، وهنا نكون أمام “مسرحة” الوضعية حيث يتم شخصنة مسرحية أبطالها من لهم علاقة طيبة بالمشرف تصل إلى حد التملق، وضحاياها طلبة لا يحسنون العزف على أوتار ذلك الفن المشين، ومخرجوها هم المشرفون الذين لا تمت أخلاقهم إلى النبل والفضل بصلة.
قد تند هذه الأسطر عن الحقيقة، لكن كما سبق وذكر وبتجربة شخصية، ألفينا أن المختبرات النزيهة قليلة جدا إن لم تكن تعد على رؤوس الأصابع، وهي التي لجأت إلى تكوين لجنة خاصة بالانتقاء حيث لا يتدخل المشرف وأعوانه، مع إحداث بوابة إلكترونية تستقبل الملفات والوثائق، حيث لا تترك فرصة للتلاعبات إلا ما شذ والشاذ لا حكم له، وبالمقابل أصبح معلوم لدى الطلاب، أن الدكتوراه هي مجرد برتوكولات لا غير.
إن تكوين الأطر بمستوى عال يحتاج إلى ضبط النفس والتحلي بروح الإنصاف، لأن الأمر خطير لاسيما حينما يختار من لا كفاءة له فيستشري المرض العضال، وتتوارث الرزايا ويستنسخ معول الزبونية فتغوص الحفر والمطبات، وإن طال هذا أوساط التعليم العالي الذي نأمل في أن يقود الأمة إلى الخير فتلك طامة ما بعدها طامة.
ولعل ما يتصف به بعض المدرسين الجامعيين من سوء خلق وغياب مهارة في العطاء والتدريس، هو ناتج بالأساس عن انتهاج طريق أساسها المصلحة الشخصية، مع عدم اعتبار المصلحة العامة التي هي فوق كل اعتبار، إذ كيف نحصل على مخرجات جيدة على مستوى التعليم العالي وأغلب أطره تم اختيارها عن طريق “المسرحة” والتي كان تكوينها تكوينا خضع لما تمليه العلاقات الاجتماعية دون النظر في حيثيات وشروط هي أولى عند الاعتبار.
نعم قد نعلم بطريقة أو بأخرى أن هناك شروطا لقبول ملف الترشيح من بينها جدة الموضوع والمعدل العالي واستيفاء الوحدات، التي لها علاقة بالمحاور…
إلا أنه لا ينبغي إغفال ظروف الطالب الباحث التي واكبت اجتياز الامتحانات على مستوى سلك الإجازة والماستر، وهذا أمر صعب تحصيله، لذا قد يكون الطالب متفوقا ولكن لسبب أو لآخر قد يتأخر مردوده وتحصيله، ومن ثم بات من المهم أن تترك الفرصة في وجه جميع الترشيحات مع التركيز على الاختبارات الكتابية لأنها الحل الأنجع لدرء السلوكات غير اللائقة، وإن كان على مستوى الدكتوراه، لكن قد يبرر أحدنا أن الطالب الباحث هو في غنى عن الاختبارات الكتابية، وأن مستواه سواء العمري أو الثقافي صار لا يسمح بذلك.
لكن أليس ذلك أهون من مسرحية تحاك خيوطها ليلا ونهارا من أجل استقطاب “ولاد الحومة وولاد القبيلة والفميلة” ليصيروا “دكاترة”؟؟؟، ثم بعدها إن بقي مكان فلأول مترشح له مواصفات علمية وخلقية عالية جدا.
إنها بحق مسرحة قبل أن تكون مصلحة والطامة أن هذا السلوك منتشر بين من يحملون شعار العلم والثقافة والأدب…