في إطار المبادرات المجتمعية الفعالة للمجتمع المدني بمدينة مكناس وفي إطار ربط جسور التواصل مع العالم القروي، وسيرا على النهج القويم الذي خطته ورسمته لنفسها، قامت جمعية الرحمة للتربية والتنمية والأعمال الاجتماعية بتوزيع مساعدات عينية مهمة على سكان دواوير مهمشة قلب جبال الأطلس المتوسط الشامخة، سكان تتقطع بهم السبل وتزداد معاناتهم كلما هطلت الأمطار أو تساقطت الثلوج.
لكن رأفة الخالق ورحمته بعباده هيأت جوية ملائمة، فانقشعت السحب الممطرة وذابت الثلوج، وجفت الأوحال وأمكن الوصول إلى قبيلة آيت عثمان التابعة ترابيا لدائرة الحمام إقليم خنيفرة؛ ففي يوم السبت 29 ربيع الأول 1434هـ الموافق 09 فبراير 2013م، انطلقت قافلة مباركة من حي وجه عروس بمكناس حيث مقر الجمعية صوب جبال الأطلس المتوسط، 150 كلم تقريبا تفصل بين نقطة الانطلاق ونقطة الوصول مرورا بمدينة مريرت وعيون أم الربيع، فضاية ويوان، ثم قبيلة آيت عثمان..
ست سيارات خفيفة وشاحنة متوسطة وأخرى كبيرة محملة عن آخرها بالأغطية والملابس والمواد الغذائية، وواحد وثلاثون نفرا من أعضاء الجمعية يؤطرون الرحلة ويسهرون على سلامتها ووصولها إلى مقصدها، يرأسهم رئيس الجمعية سلاي علي أميني، ومشرف الرحلة السيد طارق العياشي.
لم يكن الطريق سهلا إذ عند الوصول إلى ضاية ويوان غادرت القافلة الطريق المعبدة وولجت ممرات تتسلق الجبال وتهوي إلى الأودية لا صلة لها بالطرق العادية.. حجارة ضخمة متناثرة هنا وهناك، جذوع أشجار متهاوية تسد عليك المسالك، وأخاديد عميقة رسمتها السيول على طول المسافة إلى القرية..
عشر كلومترات من المعاناة الشديدة، لكنك لن تسمع تأففا ولا أنينا ولن تلحظ ضجرا ولا غضبا، عزيمة أقوى من الحجر الصلد وأكبر من أن توقفها الحجارة وجذوع الأشجار والأخاديد.
عشرات السواعد القوية تسبق العربات على طول الطريق تميط الحواجز لتصل القافلة المباركة سالمة غانمة إلى هدفها المنشود وغايتها المرجوة..
أخيرا وبعد جهد جهيد وصلت الرحلة مبتغاها ووجدت في استقبالها سكانا طال انتظارهم لمثل هذه المبادرات وأعيتهم الأماني؛ فرح وغبطة تكاد تنطق بها العيون، وأفواه تصدح بالحمد والشكر، وقلوب تخفق حبورا ومباركة..
توزعت المساعدات على ساكنة آيت عثمان واستفادت أسر من قرى أخرى مجاورة، وصلها صدى القافلة الميمونة، وقد أحسّ الجميع بصدق عاطفة القرويين وطهارة سريرتهم وحبهم اللامشروط ونخوتهم وحفاظهم على الفطرة..
طبعا لا يجب الاعتقاد بعد هذه العطايا أن سكان هذه المنطقة المنزوية في ثنايا جبال الأطلس المتوسط قد أخذوا حقهم واستوفوا حاجاتهم؛ فالأمر لا يعدو أن يكون مساعدات بسيطة ستغنيهم عن الحاجة بضعة أيام أو أسابيع، لكنهم سيضلون بدون طريق معبدة أو على الأقل مقبولة ويمكن استعمالها، سيبقون مهمشين ومنسيين
لا بد أن يفكر المسؤولون والمنتخبون عن هذه المنطقة في تأمين طريق تفك عن القرية عزلتها، وكهرباء يضيء حلكة مسالكها المتحجرة والوعرة..
وفي حدود الساعة 11 ليلا سيصل كل عضو من أعضاء الجمعية إلى بيته، ليكون وسط عياله، لكن عقله وقلبه لا يزال في قلب جبال الأطلس المتوسط في أحد دواوير آيت عثمان بالتحديد..