سلسلة التوحيد عند السادة الصوفية شرح الأصول الثلاثة عند المتصوفة الأصل الثالث: (الحلول)

لغةً:
الحلول في اللغة: النزول، وهو مصدر رباعي من حَلََّّ بالمكان يَحُلُّ حُلولاً.
وله في اللغة ثلاثة معانٍ:
الأول: حلَّ بمعنى نَزَلَ، ومضارعُه مضموم (يحُلُّ)، يتعدَّى بنفسه أو بالباء، فيقال:حَلَّ المكانَ، أو حَلَّ بالمكانِ، بمعنى: نزل به، قال تعالى: ﴿أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ﴾ . أي تنزل، واسم المكان منه يجوز فيه الكسر أو الفتح، فيقال (مَحِلٌّ) أو (مَحَلٌّ).
الثاني: حلَّ، بمعنى: وجب، ومضارعه مكسور (يّحِلُّ)، ومنه قوله تعالى: ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾.
الثالث: حلَّ، بمعنى (بَلَغَ)، مضارعه مكسور (تحِلُّ)، وكذا اسم المكان منه (مَحِلٌّ).
ومن البين أن المعنى الأول هو المراد في هذا المصطلح .
وعند العلماء: عبارة عن اتحاد الجسمين بحين تكون الإشارة إلى أحدها إشارة إلى الآخر .
قال الفيروز آبادي: «حل المكان وحل به ويحل حلا وحلولا إذا نزل به» .
اصطلاحاً:
اختلف الباحثون في تعريفهم للحلول:
عرفه الحفني بقوله: «إن الله تعالى يحل فى العارفين» .
أما الحلول عند المتصوفة فهو:«زعمهم بأن الحق اصطفى أجساما حل فيها بمعاني الربوبية، وأزال عنها معاني البشرية» .
ومن أمثل ما قيل في تعريفه: «إن الحلول هو أن يكون الشيء حاصلاً في الشيء، ومختصَّاً به، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر تحقيقاً، أو تقديراً» .
ويعني: اعتقادهم نزول الذات الإلهية في الذات البشرية ودخولهما فيها، فيكون المخلوق ظرفا للخالق بزعمهم.
والحلول على قسمين:
وهذا الحلول إما أن يكون خاصا، أو عاما، فإذا كان عاما:
أ – حلول خاص: وهو دعوى حلول الرب وحصوله في بعض خلقه.
فمنهم من يجعل هذا الحلول في عين مختصة، كدعوى النسطورية من النصارى بحلول اللاهوت في الناسوت، ويخصون ذلك بعيسى عليه السلام، يعنى: أن اللاهوت –الإله- حل بالناسوت -أي عيسى- فعيسى له طبيعتان لاهوتية وناسوتية.
وكدعوى غالية الرافضة من النصيرية وغيرهم الذين يقولون: إن الله تعالى حلَّ بعلي بن أبي طالب، وأنه الإله لأن الإله حل فيه، وفي أئمة أهل بيته.
ومنهم من يربط الحلول بمن حقق وصفاً مختصاً، كبعض غلاة الصوفية ممن يقول بحلوله -تعالى وتقدس- في من حقق الولاية، وهذب نفسه في الطاعة، وصبر عن لذات النفس وشهواتها، فارتقى في درجات المصافاة، فيصفو عن النفس البشرية، فتحل فيه روح الإله، تعالى الله عن قولهم علواً كبيرا .
ب – حلول عام: وهو دعوى حلول الرب وحصوله بذاته في كل مكان، وهو ما يسمى بوحدة الوجود؛ لأنه حلول في جميع الكائنات.
وهذا القول هو الذي ذكره أئمة السنة والحديث عن طائفة من الجهمية المتقدمين، ممن يقول: إن الله بذاته في كل مكان .
ويلاحظ على بعض من عرَّف الحلول أنه لم يفرق بين الحلول العام والحلول الخاص، ولا شك أن التفريق بينهما له أثر في بيان حقيقة الحلول .
وقد ذُكِرَت عدة أمثلة لبيان معنى الحلول.
فمنهم من مثل الحلول بحلول الماء في الكأس أو بحلول الماء في الصوف .
وأنشدوا في ذلك (للصاحب بن عباد):

رق الزجاج وراقت الخمر *** فتشابها وتشاكل الأمر
فكـأنمـا خمرٌ ولا قدحٌ *** وكـأنما قدح ولا خمر
ومنهم من مثَّله بحلول ماء الورد في الورد .
وهناك أيضاً من مثله بحلول الأعراض بالأجسام، كحلول الحياة في أجسام الحيوانات .
وللمتصوفة نصوص كثيرة جدا من أشعار وقصائد ومنظومات، صريحة العبارة والدلالة تثبت قولهم بالحلول،كما أن لهم نصوصا تشير أو تحتمل هذا المعنى بوضوح من ذلك.
يقول ابن خلدون: «ذهب كثير منهم إلى الحلول والوحدة، كما أشرنا إليه، وملئوا الصحف منه، مثل: الهروي، في كتاب المقامات له، وغيره، وتبعهم: ابن العربي، وابن سبعين، وتلميذهما ابن العفيف، وابن الفارض، والنجم الإسرائيلي، في قصائدهم» .
يقول شيخنا محمد بوخبزة في كتابه الماتع النقل النديم: «مما شاع وذاع إنشاد أشعار الصّوفية المتضمنة لعقائد الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، كابن الفارض وابن وفا والنابلسي والحراق وابن عليوة والكتاني والششتري وغيرهم، حتى أدخلوا منها فيما يسمّى الآلة الأندلسية، ومن تأمل مضمون تلك الأشعار والأزجال وجدها تقطر كفرا. ومسّت الحاجة إلى معرفة الحكم الشرعي في إنشادها وسماعها رغم وضوحه، وهذه فتوى للإمام ابن تيمية تشفي الغليل في هذا الشأن ودعك من زعم بهائم الصّوفية أن ابن تيمية كافر أو ضال وأنه عدوهم، فهذا لا يساوي سماعه لمن اطلع وعرف الحق والصواب، ونصُّ الفتوى على نقل السَّخاوي في القول المنبي: “سئل ابن تيمية؛ هل يجوز شعر ابن الفارض وغيره من هؤلاء القوم وإنشاده؟ ما نصّه –كما حكاه ابن أبي حجلة-: “إنشاد الأشعار المتضمنة للكفر مثل كون وجود الخالق هو وجود المخلوق كقصيدة ابن الفارض المسماة نظم السّلوك وما يشبهها من شعر ابن العربي والشعر المنسوب إلى عامر القيني وأبي الحسن وغير ذلك، فهذه إذا أنشدت على وجه الاستحسان لها، وعلى وجه صلاح القلوب، وإثارة وجد القلوب بها، فهذا حرام باتفاق علماء المسلمين، ومَن فهم مضمونها واستحسنها بعد ذلك، فإن تاب وإلا قُتل.
وأما إنشاد الأشعار الخمرية لتحريك شهوات النفس، فهذا معصية وإثم، وإن كان على جهة التقرب لها وجعل ذلك طريقا، وتشبيه محبة الله تعالى بشرب الخمر تشبيه ما يحصل من آثار الخمر والسّكر والعربدة. وذكر الدَّبر والكأس والدُّف، وتمثيل طريق أولياء الله المتقين بأحوال شَرَبَة الخمر، فهذا بدعة وضلالة. ومن فعل ذلك دينا يتقرب به إلى الله تعالى واجبا أو مستحبا فهذا مبتدع ضال مفتون، فإن أصرّ على أن يجعل إلى الله طريقا مخالف لطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعوا إلى ذلك، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، والله أعلم بالصّواب” اهـ. والفتوى كما ترى مدعومة بقواعد الشرع» .
وللحديث بقية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *