مفهـــوم الجماعـــــة

جاء الأمر بلزوم الجماعة في نصوص كثيرة من الكتابة والسنة الصحيحة من مثل قوله تعالى: “وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ” ومن مثل قوله صلى الله عليه وسلم لحذيفة رضي الله عنه: “..تلزم جماعة المسلمين وإمامهم” وقوله صلى الله عليه وسلم: “من خرج من الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية”.
ولا شك أنه يجب علينا امتثال ذلك كما كان الصحابة رضي الله عنهم، إلا أنه في زمننا هذا خاصة قد فهم كثير من الناس معنى الجماعة على غير المراد بها في الكتاب والسنة، وعلى غير ما فهم منها سلف الأمة، حتى حملت مثل تلك النصوص على جماعة معينة قائمة على البيعة والمعاهدة بعدما نصَّبت لها شخصا وكلاما توالي فيه وتعادي، بل من العجيب حمل بعضهم تلك النصوص على كل تلك الجماعات المختلفة والمتباينة في طرائقها وأصولها.
مع أن ذلك من التفرق الظاهر المنهي عنه كما قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ”.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: “الجماعة هي الإجتماع وضدها الفرقة” الفتاوي.
وقال رحمه الله: “من نصب شخصا كائنا من كان فوالى وعادا على موافقته في القول والفعل فهو من (الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً)” الفتاوي.
وسئل الإمام السيوطي رحمه الله عن رجل من الصوفية أخذ العهد على رجل ثم اختار الرجل شيخا آخر وأخذ عليه العهد فهل الأول لازم أم الثاني؟
فقال رحمه الله: “لا يلزمه العهد الأول ولا الثاني ولا أصل لذلك” الحاوي للفتاوي.
وفي الأثر أن معاوية رضي الله عنه سأل ابن عباس رضي الله عنه: “أنت من ملة عثمان أو على ملة علي فقال: لست على ملة علي ولا ملة عثمان بل أنا على ملة رسول الله عليه وسلم. (منهاج السنة)
إذن فما حقيقة الجماعة التي ورد الأمر بلزومها.
نقول: اختلف أهل العلم في المراد بذلك على أقوال بسطها الشاطبي رحمه الله في الاعتصام وانظر فتح الباري لابن حجر رحمه الله وهي:
1ـ أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام.
2ـ أنها جماعة العلماء المجتهدين.
3ـ أن الجماعة هي الصحابة على الخصوص.
4ـ أن الجماعة هي جماعة ظاهر الإسلام إذا أجمعوا على أمر فواجب على غيرهم من أهل الملل اتباعهم.
5ـ أن الجماعة جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير.
وكل هذه المعاني والأقوال متقاربة وصحيحة فهي من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، وإن كانت ترجع بجملتها إلى معنى واحد وهو اتباع الحق والسنة والحديث وطريق السلف الصالح.
ولذلك قال الشاطبي رحمه الله لما ذكر هذه الأقوال: “فهذه خمسة أقوال دائرة على اعتبار أهل السنة والاتباع وأنهم المرادون بالأحاديث” الإعتصام.
ولأجل ذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك”. شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/109.
قال أبو شامة رحمه الله: “وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه وإن كان المتمسّك قليلا والمخالف كثيرا” الباعث على إنكار البدع والحوادث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *