يرجع تاريخ إطلاق هذا المصطلح إلى صدر الإسلام والقرون المفضلة، فقد أخرج اللالكائي بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: “يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ” قوله: “فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وأولوا العلم، وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة” شرح أصول أهل السنة 1/72.
ثم تتابع ورود استعمال هذا المصطلح وإطلاقه عن كثير من أئمة السلف كأيوب السختياني رحمه الله (أنظر شرح أصول أهل السنة 1/60-61)، وسفيان الثوري رحمه الله، (المرجع نفسه 1- 64)، في آخرين.
لكن الكثير من الناس لا يعرفون عن السنّي إلا أنه الذي لم يكن رافضيا فقط، ولا يعرفون عن أهل السنة إلا أنهم الذين لم يكونوا من الروافض فحسب، وهذا المعنى والإطلاق وارد يقصد به كل من أثبت خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فيدخل في ذلك سائر الطوائف إلا الشيعة الروافض.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “فلفظ أهل السنة يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة” منهاج السنة 2/221.
إلا أنه ينبغي أن يعلم أن مصطلح أهل السنة له إطلاقان: عام وخاص.
أما العام فهو الذي مضى معنا بيانه وهو الإطلاق المعروف عند “العامة” –وإن كان قد سرى في زمننا إلى بعض الخاصة!- حيث لا يعرفون ضد السني إلى الرافضي.
يقول ابن تيمية رحمه الله في معرض كلامه عن الرافضة: “ومنهم ظهرت أمهات الزندقة والنفاق كزندقة القرامطة الباطنية وأمثالهم، ولا ريب أنهم أبعد طوائف المبتدعة عن الكتاب والسنة، ولهذا كانوا هم المشهورين عند العامة بالمخالفة للسنة، فجمهور العامة لا تعرف ضد السني إلا الرافضي فإذا قال أحدهم: أنا سني فإنما معناه: لست رافضيا” الفتاوي 3/356، وانظر 4/155، ومنهاج السنة 2/221.
أما الاطلاق الخاص: فالمقصود به أهل السنة المحضة، وأهل الحديث والأثر، وأتباع السلف الصالح الذين قيل فيهم: هم نقاوة المسلمين، وهم خير الناس للناس.
فعندما يحث أهل التحقيق من أهل العلم على التمسك بطريقة أهل السنة والجماعة فلا يقصد بهم إلا أهل السنة المحضة على الاطلاق الخاص فتنبه.
وهذا المعنى الخاص هو الموافق للحقيقة اللغوية فأهل الشيء هم أخص الناس به، يقال في اللغة: أهل الرجل: أخص الناس به وأهل البيت: سكانه، وأهل الإسلام: من دين به، وأهل المذهب: من يدين به. أنظر معجم مقاييس اللغة 1/150، ولسان العرب 11/29.
فمعنى أهل السنة أي: أخص الناس بها وأكثرهم تمسكا بها واتباعا لها قولا وعملا.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: “وقد يراد به (مصطلح أهل السنة) أهل الحديث والسنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول: إن القرآن غير مخلوق وأن الله يرى في الآخرة ويثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة” منهاج السنة 2/221.
إذن مصطلح أهل السنة بالمعنى الخاص هو معنى ضيّق يراد به أهل السنة المحضة الخالصة من البدع، ويخرج به سائر أهل الأهواء والبدعة من الخوارج والجهمية والمرجئة وغيرهم حتى لا يبقى إلا أتباع الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم.
قال ابن تيمية رحمه الله:” ومذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم معروف قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكا والشافعي.. وأحمد، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم ومن خالف ذلك كان مبتدعا عند أهل السنة والجماعة” منهاج السنة 2/601.
وقد يورد بعض أهل الأهواء شبهة قد تلتبس على البعض وهي أن كثيرا من العلماء ينتسبون في اعتقادهم إلى الإمام أحمد رحمه الله (انظر مثلا صنيع السلطان محمد بن عبد الله العلوي رحمه الله في مواهب المنان بما يتأكد على المعلمين تعليمه للصبيان ص:25)، فيقول هذا الملبس إذن فمذهب أهل السنة والجماعة هو المذهب الحنبلي.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله مجيبا عن هذه الشبهة: “ما زال كثير من أئمة الطوائف.. وإن كانوا في فروع الشريعة متبعين بعض أئمة المسلمين رضي الله عنهم أجمعين فإنهم يقولون نحن في الأصول أو في السنة على مذهب أحمد بن حنبل، لا يقولون ذلك لاختصاص أحمد بقول لم يقله الأئمة ولا طعنا في غيره من الأئمة بمخالفة السنة، بل لأنه أظهر من السنة التي اتفقت عليها الأئمة قبلهم أكثر مما أظهروه، فظهر تأثير ذلك لوقوعه وقت الحاجة إليه، وظهور المخالفين للسنة، وقلة أنصار الحق وأعوانه” بيان تلبيس الجهمية 2/91-92.
وقال كذلك رحمه الله: “الاعتقاد إنما أضيف إلى أحمد لأنه أظهره وبينه عند ظهور البدع، وإلا فهو كتاب الله وسنة رسوله حظ أحمد منه كحظ غيره من السلف: معرفته والإيمان به، وتبيلغه والذب عنه، كما قال بعض أكابر الشيوخ: الاعتقاد لمالك والشافعي ونحوهما من الأئمة، والظهور لأحمد بن حنبل..”. درء التعارض 5/5-6.