من القواعد العلمية المنطقية العقلية, قاعدة: “عدم العلم بالدليل ليس علما بالعدم” انظر: الرد على المنطقيين100, ورفع الملام 62, كلاهما لابن تيمية, ومناظرة في الرد على النصارى 26/27 للرازي.
فكثير من المتناظرين يجعل عمدته في نفي وجود أمر ما عدم علمه بالدليل على وجوده, مع أن الأصل: أن عدم العلم بالدليل ليس علما بالعدم كما تقرر القاعدة, وعدم الوجدان ليس نفيا للوجود, فكما أن الاثبات يحتاج إلى دليل، فكذلك النفي يحتاج إلى دليل, وإلا فما لم يعلم وجوده بدليل معين, قد يكون معلوما بأدلة أخرى, فمثلا: عدم الدليل العقلي على وجود أمر ما لا يعني عدم وجوده, لأنه قد يكون ثابتا بالدليل السمعي أو غيره, إلا أنه ينبغي أن يعلم أن هذه القاعدة ليست مطردة على حد قول أهل العلم: “من القواعد عدم اطراد القواعد”, وعدم الانتباه إلى ذلك أدى بالبعض إلى الفهم الخاطئ للقاعدة, ووضعها في بعض الحالات التي لم تُقَرَّر القاعدة من أجلها كالقول بمشروعية بعض العبادات استنادا إلى عمومات النصوص الشرعية في ذلك مع أن تلك العبادة بعينها لم يجر عليها عمل السلف الصالح، والدواعي متوفرة على نقلها لو كانت حاصلة واقعة, فإذا أتى من ينص على بدعية صفة تلك العبادة -مثلا- استنادا إلى أنها لم تنقل يرد عليك من يرد بقوله: “عدم العلم بالدليل ليس علما بالعدم”!
يقول ابن القيم رحمه مقررا تفصيلا بديعا فيما نقله الصحابة رضي الله عنهم لتركه صلى الله عليه وسلم: “أما نقلهم لتركه عليه الصلاة والسلام فهو نوعان, وكلاهما سنة:
أحداهما: تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله…كقوله في صلاة العيد: “لم يكن أذان ولا إقامة ولا نداء”…ونظائره.
والثاني: عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم على نقله, فحيث لم ينقله واحد منهم البتة، ولا حدث به في مجمع أبدا علم, أنه لم يكن” إعلام الموقعين2/389-390.
وعليه نقول: أن القاعدة صحيحة, لكن يستثنى منها ما إذا توفرت الدواعي على نقل شيء ما ولم ينقل، فالأمر يكون على خلاف القاعدة فتأمل.
وقد قرر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله حيث قال: “وليس لقائل أن يقول: عدم الدليل القطعي على على الوعيد دليل على عدمه, كعدم الخبر المتواتر على القراءات الزائدة على ما في المصحف, لأن عدم الدليل لا يدل على عدم المدلول عليه.
ومن قطع بنفي شيء من الأمور العلمية بعدم الدليل القاطع على وجودها كما هو طريقة طائفة من المتكلمين, فهو مخطئ خطأ بينا.
لكن إذا علمنا أن وجود الشيء مستلزم لوجود الدليل, وعلمنا عدم الدليل, قطعنا بعدم الشيء المستلزم, لأن عدم اللازم دليل على عدم الملزوم.
وقد علمنا, أن الدواعي متوفرة على نقل كتاب الله ودينه, فإنه لا يجوز على الأمة كتمان ما يحتاج الناس إلى نقله حجة عامة, فلما لم ينقل نقلا عاما صلاة سادسة, ولا سورة أخرى, علمنا يقينا عدم ذلك” رفع الملام 62.