طرح الاصطلاح في المجالات الشرعية -الخاصة- دون تحديد مفهومه من الأمور التي توقع في الزلل وتحدث اللبس، مع أن الواجب هو بيان المقصود منه قبل أن تبنى عليه أي مسألة علمية حتى يظهر الخطأ من الصواب.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: “وقد قيل أن أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء وأمثالها -مما كثر فيه تنازع الناس بالنفي والاثبات-، إذا فصل فيها الخطاب: ظهر الخطأ من الصواب” الفتاوي 7/664.
ومن هذه المصطلحات: مصطلح الأصول، فكثيرا ما يستدل الناس على جواز الاختلاف في مسائل شرعية بدعوى أنها ليست من الأصول، وإنما هي أمور فرعية لا ضير في اختلاف الفهوم فيها، وإذا بحثت عن مقصود الأصل عندهم تجده هو: كل أمر عقدي، والفرع ما عدا ذلك من المسائل العملية.
وهذا من الخطأ البيِّن لأن مقتضى ما قرروه أن الأمور العقدية لم يقع فيها اختلاف اجتهادي بين السلف وأهل السنة وهذا مجانب للصواب، حيث وقع ذلك -وإن كان الغالب من ذلك متفق عليه بين أهل السنة- كالاختلاف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الاسراء والمعراج، وسماع الأموات للأحياء…
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: “وتنازعوا (أي الصحابة) في مسائل علمية اعتقادية كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، مع بقاء الجماعة والألفة” الفتاوي 19/123.
ومقتضى قولهم -كذلك- أن كل مسألة عملية جائز وقوع الخلاف فيها وهذا باطل أيضا لأن ثمة أمورا من هذا النوع متفق على حكمها كإيجاب الصوم والحج والزكاة وغير ذلك مما جعل شرعا من الأصول التي يبنى عليها غيرها كما في قوله صلى الله عليه وسلم: “بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان” رواه البخاري ومسلم، فالدين ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد بين أصوله وفروعه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “…وهذا كما أن طائفة من أهل الكلام يسمي ما وضعه أصول الدين وهذا اسم عظيم، والمسمى به فيه من فساد الدين ما الله به عليم، فإذا أنكر أهل الحق والسنة ذلك قال المبطل: قد أنكروا أصول الدين وهم لم ينكروا ما يستحق أن يسمى أصول الدين، وإنما أنكروا ما سماه هذا أصول الدين، وهي أسماء سموها هم وآباؤهم بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، فالدين ما شرعه الله ورسوله، وقد بين أصوله وفروعه، ومن المحال أن يكون الرسول قد بين فروع الدين دون أصوله” الفتاوي 4/56.
ولذا فالمفهوم الصحيح لمصطلح الأصل -في هذا المجال الذي نتكلم فيه- هو كل ما يبنى عليه غيره سواء كان من الأمور العقدية أو العملية، فإن كثيرا من مسائل الأحكام قطعيات وهناك من مسائل العقيدة ما هو في حيز الظنيات.
قال الناظم:
فالأصل ما عليه غيره بني *** والفرع ما على سواه ينبني
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: “والذين فرقوا بين الأصول والفروع لم يذكروا ضابطا يميز بين النوعين، بل تارة يقولون: فهذا قطعي وهذا ظني، وكثير من مسائل الأحكام قطعي، وكثير من مسائل الأصول (أي: العقيدة هنا) ظني عند بعض الناس فإن كون الشيء قطعيا وظنيا أمر إضافي، وتارة يقولون: الأصول هي العلميات الخبريات والفروع العمليات وكثير من العمليات من جحدها كفر، كوجوب الصلاة والزكاة… وتارة يقولون: هذه عقليات، وهذه سمعيات، وإذا كانت عقليات لم يلزم تكفير المخطئ فإن الكفر حكم شرعي يتعلق بالشرع” الفتاوي 13/126
و من ثم فضابط الأصل كما قرره شيخ الإسلام رحمه الله أنه الأمرالجلي البين الذي لا يقبل الاختلاف، بخلاف الفرع فهو الأمر الخفي الذي تختلف فيه الأفهام وتتعدد الاجتهادات لأنه من الأمور التي تقوم على أدلة ظنية.
قال العلامة ابن أبي الإصبع في معالمه:
والاجتهاد إنما يكون *** في كل ما دليله مظنون
أما الذي فيه الدليل القاطع *** فهو كما جاء ولا منازع
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “…الجليل من كل واحد من الصنفين (المسائل العقدية والعملية) مسائل أصول، والدقيق مسائل فروع” الفتاوي 6/56.