التيسير مقصد من مقاصد هذا الدين وصفة عامة للشريعة في عقائدها وأحكامها وأخلاقها ومعاملاتها وأصولها وفروعها.
فالدين الإسلامي قائم على دعامة اليسر كما قال تعالى: ” يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”.
قال السعدي رحمه الله في تفسيره للآية: ” أي: يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير ويسهلها أبلغ تسهيل ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله.
وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله سهله تسهيلا آخر إما بإسقاطه أو تخفيفه بأنواع التخفيفات” تيسير الكريم الرحمن 1/128-129.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الدين يُسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه…” البخاري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “أي دين الإسلام ذو يسر أو سُمِّيَ الدين يسرا مبالغة بالنسبة للأديان قبله لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم، ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم وتوبة هذه الامة بالاقلاع والعزم” الفتح1/116.
اليسر لغة وشرعا:
أما في اللغة: ففي لسان العرب: “اليسر اللين والانقياد والميسرة: السعة والغنى وتيسر الشيء واستيسر: تسهل, واليسر: ضد العسر” 5/295.
قال القاسم رحمه الله عن اليسر: “عمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم” محاسن التأويل 3/427.
وشرعا هو: تطبيق الأحكام الشرعية بصورة معتدلة أي كما جاءت في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من غير تشدد يحرم الحلال ولا تمييع يحلل الحرام.
مفهوم اليسر والتيسير:
إن كون الشريعة قد راعت جانب اليسر في تكاليفها لا يعني بحال أن يسوغ المرء لنفسه فعل ما يخالف الشرع أو أن يختار ما شاء من الأقوال، أو أن يضع الرخص التي تتفق مع هواه، فلو كان الأمر كذلك لانهدمت أركان الدين ولانمحت رسومه ولعظم اختلاف العباد واضطرابهم وهذا من أعظم التعسير.
إن القول بان الدين يسر كلمة حق أراد بها الكثير من الناس الباطل.
نعم، الدين يسر لكن بلا تفريط وتساهل لأن التوسعت إلى الشرع لا إلى أهواء الناس ورغباتهم وما ألفوه ودرجوا عليه.
والدين يسر ولكن في اتباع ما أمرنا به وبإتباع ما يسَّره الله لنا ورسوله صلى اله عليه وسلم ورخصاه لنا حين الحاجة إليه.
قال ابن حزم رحمه الله في معرض رده على من يترخص في الدين متبعا هواه: “فمن احتج بقول الله عز وجل ” يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” فقد علمنا أن كل ما ألزم اله تعالى فهو يسر بقوله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)” الإحكام 869.
ثم إن الآية تبين مفهوم اليسر الرباني وهو أنه من عند الله وحده لا شريك له وأنه تشريع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيا من الله سبحانه.
ولو ادعى مدع أن ما قرر مباين لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح “إن الله يحب أن تؤتى رخصه…” فنقول جوابا لقد أوتيت من عدم علمك بحقيقة الرخصة لأن المقصود منهافي الحديث ما كان من عند الله ورخصه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون الامر بذلك شرع شرعه الله وأذن فيه وتتمت الحديث توضح ذلك حيث قال عليه الصلاة والسلام “إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته”.
أما مفهوم الرخصة التي نهى العلماء عن تتبعها فالمقصود بها أهون أقوال الفقهاء في مسائل الخلاف فتنبه.
قال ابن القيم رحمه الله: “الرخصة نوعان: أحدهما الرخصة المستقرة المعلومة من الشرع نصا كأكل الميتة والدم… عند الضرورة وإن قيل لها عزيمة باعتبار الأمر والوجوب فهي رخصة باعتبار الإذن والتوسعة، وكفطر المريض والمسافر وقصر الصلاة في السفر… ففعل هذه الرخص أرحج وأفضل من تركها.
النوع الثاني: رخص التأويلات واختلاف المذاهب فهذه تتبعها حرام… فإن من ترخص بقول أهل مكة في الصرف وأهل العراق في الأشربة وأهل المدينة في الأطعمة وأصحاب الحيل في المعاملات… وأمثال ذلك من رخص المذاهب وأقوال العلماء فهذا الذي تنقص بترخصه رغبته ويوهن طلبه ويلقيه في غثاثة الرخص فهذا لون والأول لون” المدارج 2/60-61.