هل تعرف الإله.. (بعل) ذ.طارق الحمودي

كثيرا ما تجد نفسك مضطرا للتوقف طويلا أمام آية أو كلمة من كتاب الله تعالى وأنت تقرأ وردك…

صحيح أننا نقرأ باللغة العربية…
ولكننا أحيانا نفهم بغيرها..!
الذي يهمني هنا أن من سنن الله في ذوي القلوب المؤمنة محاولة التدقيق دائما في ما يقرؤونه من كلام الله تعالى..لأنهم يؤمنون بأن وراء كل حرف شيئا؛عرفوه أو جهلوه..!
وهذا ما يجعل القارئ دائما مشدود الانتباه إلى ما قد يفاجئه من هدايات القرآن بين السطور بل أحيانا بين ثنايا الحروف!
والعجيب في هذا والجميل أنك حينما تريد التدقيق خارج القرآن عن تفسير لآية ما؛ تجد نفسك أمام كم هائل من المعلومات المترابطة؛ العجيبة واللطيفة.
فيزيد إيمانك بأن ما كنت تقرؤه كلام الله تعالى الخالق.
قال تعالى: (أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ). (الصافات ص:125)
لا بد هنا أن تتوقف..على الأقل هكذا فعلت أنا!!
(بعل)…وما أدراك ما بعل!
لا أخفيكم سرا أنني حينما قرأت أول تفسير للكلمة في (تفسير الجلالين)، لأنني أضعه أمامي حين قراءة وردي من القرآن للاطلاع السريع، توقفت تلك الوقفة وحسبتها ستطول..
لأن الأمر بدا متسعا.. وخلفه ما خلفه!
فالذي وجدته أن هذا اسم علم لإله!
فتذكرت كلمات حينها مثل: (بعلبك) وهي مدينة في لبنان..و(حنبعل) وهو قائد فينيقي تونسي قديم.
وبدأت خيوط البحث تبدو أمامي كي آخذ بأطرافها لعلها توصلني إلى شيء!
فينيقيون وإله!
فقلت: لن ينفعني بعد الله في هذا إلا ثلاثة رجال…!
مفسرون…
أحدهما من الشام، والثاني من العراق،والآخر من تونس.
أما الأول فالشيخ العلامة جمال الدين القاسمي في تفسيره محاسن التأويل.
والثاني الآلوسي في تفسيره روح البيان.
والثالث شيخ شيخنا الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير.
فقال جمال الدين القاسمي في محاسن التأويل (14/5059/محمد فؤاد عبد الباقي): (هو صنم من أصنام الفينيقيين، أقاموا له ولغيره من الأوثان معابد ومذابح وكهنة، يعظمون من شأنهم ويقيمون لهم المآدب والأعياد الحافلة، ويقدمون لهم ضحايا بشرية).
وقال الآلوسي روح المعاني (23/ 139/دار إحياء التراث العربي): (هو اسم صنم لهم كما قال الضحاك والحسن وابن زيد وفي بعض نسخ القاموس أنه لقوم يونس، ولا مانع من أن يكون لهما أو ذلك تحريف، قيل: وكان من ذهب طوله عشرون ذراعا وله أربعة أوجه، فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن، وجعلوهم أنبياءه، فكان الشيطان يدخل جوفه ويتكلم بشريعة الضلالة، والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس، وقيل هم اسم امرأة أتتهم بضلالة فاتبعوها، واستؤنس له بقراءة بعضهم: (بعلاء) بالمد على وزن حمراء، وظاهر صرفه أنه عربي على القولين فلا تغفل) اهـ.
قالت: وقال شيخ شيخنا الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير -وهي أوسع كلمة وأغزرها فائدة-:
([بَعْل] اسم صنم الكنعانيين وهو أعظم أصنامهم لأن كلمة (بعل) في لغتهم تدل على معنى الذكورة.
ثم دلت على معنى السيادة، فلفظ (البعل) يطلق على الذكر، وهو عندهم رمز على الشمس ويقابله كلمة [تانيت] بمثنّاتين، أي الأنثى.
وكانت لهم صنمة تسمى عند الفينيقيين بقرطاجنة [تانيت]، وهي عندهم رمز القمر.
وعند فينيقيي أرض فينيقية الوطن الأصلي للكنعانيين تسمى هذه الصَّنَمَة [العشتاروث].
وقد أطلق على بعل في زمن موسى عليه السلام اسم [مُولك] أيضاً، وقد مثلوه بصورة إنسان له رأس عجل وله قرنان وعليه إكليل وهو جالس على كرسي مادّاً يديه كمن يتناول شيئاً.
وكانت صورته من نحاس وداخلها مجوف، وقد وضعوها على قاعدة من بناء كالتنور، فكانوا يوقدون النار في ذلك التنور حتى يحمى النحاس، ويأتون بالقرابين فيضعونها على ذراعيه فتحترق بالحرارة فيحسبون لجهلهم الصنمَ تقبلها وأَكَلَها من يديه.
وكانوا يقربون له أطفالاً من أطفال ملوكهم وعظماء ملتهم، وقد عبده بنو إسرائيل غير مرة تبعاً للكنعانيين والعمونيين والمؤوبيين، وكان لبَعل من السدنة في بلاد السامرة، أو مدينة صرفة أربعُمائة وخمسون سادناً.
وتوجد صورة بعل في دار الآثار بقصر اللُّوفر في باريس منقوشة على وجه حجارة صوروه بصورة إنسان على رأسه خوذة بها قرنان وبيده مقرعة. ولعلها صورته عند بعض الأمم التي عبدته ولا توجد له صورة في آثار قرطاجنة الفينيقية بتونس).
قال الأستاذ جان مازيل [Jean Mazel ] في كتابه: Avec les Phenicien
à la poursuite du soleil sur la route de l’or et de l’étain
Robert Laffon
(الحضارة الفينيقية الكنعانية ص33/ترجمة ربا الخش /دار الحوار للنشر والتوزيع):
(حل تدريجيا محل تلك الآلهة الكثيرة ثالوث أعظم يضم كلا من (إيل) الإله الأكبر و(بعل) الذي هو السيد و(بعلة) التي هي عشتروت، بالإضافة إلى إله شاب هو مبدأ الحياة والعمل يدعى في أوغاريت (عليان)…).
ويجدر أن أنبه إلى أن بعض المفسرين ذكروا أن للكلمة وجها آخر وهو التنكير، وليس المقصود به اسما علما على إله معين.. فالبعل السيد وهو جزء مُرَكِّب لبعض أسماء الآلهة عندهم ولذلك قال الأستاذ كلوفيس كرم ( (clovis karam في كتابه:La Symbolique des Archétypes dans la Mythologie Phénicienne
من ترجمتي بتصرف: (كلمة (بعل) تنطبق على كل الآلهة العليا ذكورا كانوا أو إناثا، فـ(بعل) إذاً (مضاف) إلى هذه الآلهة العليا من الجنسين، وفي نظري..ليست كلمة (بعل) اسما علما على إله معين).
وقد تكلم عنه كثيرا في الكتاب فليراجع.
والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *