شن الكاتب الأمريكي المعروف “شيلدون ريتشمان”(1) هجومًا قاسيًا على سياسات الحكومة الأمريكية في العراق معتبرًا أن الفائز الحقيقي الذي فاز بالكعكة العراقية على طبق من فضة ليس إلا إيران، التي قُتل الأمريكيين من أجلها.
وتحت عنوان “إنهم يموتون من أجل إيران”، قال شيلدون في مقال له نشره الموقع الإلكتروني لمؤسسة مستقبل الحرية:
لقد قتل أكثر من 4.400 أمريكيًا خلال عمليات غزو العراق واحتلاله، كما أصيب كذلك ما يقرب من 32.000 آخرين. ولكن على الرغم مما أعلنه الرئيس أوباما، فإن الأمر لم ينته بعد. فما الذي كان يضحي من أجله هؤلاء الرجال والنساء؟
بعض منتقدي الحرب يقولون أنها كانت عبثًا، إلا أن ذلك غير صحيح؛ فهي كانت من أجل إيران. فإيران هي الفائز الأكبر من عملية “حرية العراق” ومن عملية “الفجر الجديد” الحالية أيضًا.
وأنا أدرك أن ذلك يبدو جنونًا؛ فإيران هي الشيطان الأكبر في نظر حكومة الولايات المتحدة. ووفقًا لمسئولين أمريكيين فإنها (إيران) ترعى الإرهاب في كل مكان؛ كما أنها عازمة على الحصول على أسلحة نووية لاستخدامها ضد “إسرائيل” وربما ضد أمريكا. كما أن إيران هي ذلك الخطر الذي تعتقد مجموعة خبراء المحافظين الجدد بقوة أنه ما لم نتسبب “نحن” في تغيير للنظام هناك، فإن العالم سيكون مصيره محتوما.
ولنتجاهل للحظة أن كل ذلك ليس إلا خطابًا جماهيريًا يهدف لحشد الدعم للجيش الأمريكي في مواجهة الحماس المتضاءل حيال عملياته التي لا تحصى حول العام. ودعونا نأخذ الرواية الأمريكية في قيمتها الظاهرية.
فإذا كانت إيران تمثل هذا التهديد الذي يُقال لنا، فإن سياسة الولايات المتحدة في العراق تبدو غريبة إلى حد بعيد، وتُفسر على أنها إما نتيجة حماقة وجهل أو نتيجة لأجندة أكبر تتعلق بالمنطقة. ويمكن للقارئ أن يقرر بنفسه.
فجزء من الرواية الرسمية الأمريكية يقول أن إيران قد عملت ضد الجهود الأمريكية في العراق، بل وقاتلت في “حرب بالوكالة” من خلال التمرد الشيعي.
لكن الصحافي والمؤرخ المعاصر “جاريث بورتر” -الذي يعمل بوكالة إنتر برس سرفيس- أوضح في مقال له بعنوان “جو بايدن والرواية الزائفة لحرب العراق” أن هذه الرواية بمثابة إعادة تدوين كاملة للتاريخ الحديث.
وكتب بورتر:
“أشارت الرواية الرسمية إلى أن إيران مارست نفوذًا سياسيًا بالعراق من خلال دعم جماعات مسلحة معارضة للحكومة”. ولكن “في الواقع، طالما كان أهم حلفاء إيران من العراقيين هم نفس الفصيلين الشيعيين اللذين تحالفت معهما الولايات المتحدة ضد (الزعيم الشيعي العراقي المناهض للأمريكيين “مقتدى الصدر”) وهما المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وحزب الدعوة بزعامة “نوري المالكي”. وكلاهما قد حصل على دعم وتدريب إيراني أثناء الحرب ضد الرئيس العراقي “صدام حسين”، وقد انتقد الصدر زعماء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ووصفهم بأنهم عملاء إيرانيين”.
ولنلقي الضوء على هذه النقطة: الحكومة الأمريكية متحالفة مع حلفاء إيران في العراق. كما أنه في الوقت الذي نعت فيه الأمريكيون الصدر بأنه عميل لإيران، كان هو الشخص القومي ثابت الجأش الذي أدان الأحزاب الشيعية الأخرى ووصفهم بأنهم عملاء لإيران. غير أنه بمجرد شن الحملة الأمريكية الشرسة ضده تحرك تجاه إيران طالبًا منها الدعم.
ونعود مجددًًا لما كتبه “بورتر” حيث قال: “إن المقصد الإيراني كان ضمان أن حكومة العراق التي يهيمن عليها الشيعة قد عززت من سلطاتها. وكان المرشد الإيراني الأعلى “علي خامنئي” قد أبلغ المالكي في غشت عام 2007 أن إيران سوف تدعم توليه السيطرة على معاقل الصدر”.
“وعلى عكس أسطورة العراق الرسمية، فإنه بحلول نهاية عام 2007 كانت كلاً من حكومة المالكي وإدارة بوش يقران علانية بدور إيران في الضغط على الصدر للموافقة على وقف إطلاق النار أحادي الجانب.. وهو ما قد يسوء الجنرال “ديفيد بيترايوس”… إذن فالأمر كان يتعلق بالنفوذ الإيراني -وليس في إستراتيجية بيترايوس لمكافحة التمرد- الذي أنهى بفاعلية تهديد التمرد الشيعي”.
والمالكي نفسه تم اختياره من قبل إيران كرئيس للحكومة. وكتب بورتر: “إن الجنرال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإسلامي الإيراني هو من ترأس في أبريل عام 2006 الاجتماع السري للزعماء الشيعة الذين اختاروا المالكي كرئيس للحكومة، بعد أن تم تهريبه إلى داخل المنطقة الخضراء دون إبلاغ الأمريكيين”.
لماذا إذن قامت الحكومة الأمريكية بتحويل الرادع الطبيعي المقاوم للنفوذ الإيراني في “الشرق الأوسط” -أي العراق الذي كان يهيمن عليه السنة- إلى حليف إيراني؟
لا يمكننا بالطبع استبعاد عنصرَي الحماقة والجهل، ولكننا كذلك لا يمكننا استبعاد احتمال وجود فكرة تغيير النظام في إيران طوال الوقت لدى المسئولين الأمريكيين. وربما يتهمون إيران يومًا ما بالتدخل في العراق بهدف تبرير غزو عسكري. وبينما قيل أن قطاعات في الجيش الأمريكي ترفض مهاجمة إيران -التي لديها أكثر من ضعف عدد سكان العراق وتقريبًا أربعة أضعاف مساحته- فإن هناك قوى في الحكومة الأمريكية وفي جماعات المصالح الخارجية تُفضل ذلك بكل وضوح. ومسألة برنامج الأسلحة النووية المفترض، والذي لا يوجد دليل عليه كون كافة كميات اليورانيوم مأخوذة في الاعتبار، ليس إلا ذريعة.
وأيما كان ما يحمله المستقبل، فيمكننا أن نكون على يقين من شيء واحد وهو أن: الأمريكيين يموتون في العراق من أجل مصلحة إيران.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- شيلدون ريتشمان: زميل بارز لمؤسسة مستقبل الحرية (فيوتشر أوف فريدوم فاونديشن) الأمريكية.