يريد بنو علمان تحنيط الإسلاميين، أو القضاء عليهم كلية، ليصبحوا أجسادا بدون روح، أو أجسادا خارج الواقع، لأنهم يعتبرون أن صراعهم معهم صراع وجود لا صراع أفكار، بما يتصفون به من إقصائية مطلقة، على الرغم من تبجحهم بالديمقراطية وقبول الاختلاف، فهم لا يريدون أن يروا شخصا، على هذه الأرض المعطاء، يتخذ الإسلام منهج حياة.
يسعى بنو علمان جاهدين إلى تحنيط الإسلاميين، وجعلهم تراثا “موميائيا”، لا يُسمع لهم حس ولا ركز. وذلك من خلال اقتراحهم جعل إمارة المؤمنين تقتصر على الحقل الديني فحسب، أما الدولة العصرية فيرأسها الملك باعتباره رئيسا لها.. مما يعني جعل الملكية تعيش انفصاما في وظيفتها، منبعه حقد بني علمان على هذا الدين والملتزمين به؛ وحيرتهم في محاولة التوفيق/التلفيق بين الواقع الإسلامي الذي يتسم به الشعب المغربي، وبين أفكارهم الهدامة التي يروجون لها، ويعملون على نشرها بين صفوفه.
إن الغاية من الفصل بين إمارة المؤمنين والدولة العصرية هو حشر الإسلاميين في الزاوية، ومحاصرتهم بين فكي كماشة. فهم من جهة مجبرون على ألا يحيدوا عما تسطره السلطة الدينية من فهم خاص للدين، ومن جهة أخرى لا مجال لهم في الدولة العصرية، ولو قدر موضع سوط. أما بنو علمان فلا سلطة للدين عليهم، بل هم الذين لهم السلطة لهم على الدين، والدولة العصرية هم أصحابها والفاعلون فيها والمنظرون لها.
هكذا يريد بنو علمان تحنيط الإسلاميين، أو القضاء عليهم كلية، ليصبحوا أجسادا بدون روح، أو أجسادا خارج الواقع، لأنهم يعتبرون أن صراعهم معهم صراع وجود لا صراع أفكار، بما يتصفون به من إقصائية مطلقة، على الرغم من تبجحهم بالديمقراطية وقبول الاختلاف، فهم لا يريدون أن يروا شخصا، على هذه الأرض المعطاء، يتخذ الإسلام منهج حياة. وإلا فكيف يعقل أن يطالب وزير الاتصال السابق بأن يفرض على الإسلاميين -وحدهم- الدين، كما تفهمه وزارة الأوقاف التي يقودها أحد دعاة القبورية، وإلا حوربوا بلا هوادة، مع العلم أنهم [أي بنو علمان] يُخرجون أنفسهم من هذه الجبرية، لأن غايتهم ليس الغيرة على هذا الدين، أو الحرص على إمارة المؤمنين، أو قناعتهم بالمذهب المالكي، وإنما غايتهم تطويق الإسلاميين وتكميم أفواههم، وتكبيل أيديهم، والحجر على عقولهم، وتحنيطهم في دين وزير الأوقاف، وفي نفس الوقت إطلاق العنان لهم ليبثوا سمومهم، باسم الانفتاح والحداثة وحقوق الإنسان والمواثيق الكونية.
..منهم من ينادي بإسكات صوت “حي على الصلاة حي الفلاح”..
ومنهم من يدعو إلى الحرية في انتهاك حرمة رمضان..
ومنهم من لا يعتبر عيد الأضحى إلا مناسبة للمساهمة في تلويث البيئة..
ومنم من يفتي بتربية الخنزير عوض النعجة لأنه أكثر خصوبة وأدر ربحا..
ومنهم من يتهجم على الخلفاء الراشدين، ويشكك في عدالتهم ونزاهتهم وتقواهم.. وهلم جرا من هذا الهذيان العلماني الحداثي!! الذي يصيب الإسلام في الصميم. ومع ذلك يرفضون المزايدة على أنهم مسلمون! ونحن نقول نعم أنتم مسلمون، لكن أثبتوا لنا ذلك بالقول والعمل، والمواقف والأفكار، كما تثبتون ولاءكم المطلق للعلمانية والحداثة، في كل لحظة وحين، وتذكرونها، كما يذكر المسلم أذكار الصباح والمساء.
فهل رأيتهم قط -أيها القارئ الكريم- يدافعون عن مظاهر الإسلام في منابرهم؟ التي لقلة روادها يخططون ليلا ونهارا، سرا وجهارا، لجعلها الناطق “الوحيد والشرعي” باسم الشعب المغربي، دون ما سواها من المنابر التي تختلف معها جملة وتفصيلا، هذه المنابر المتمثلة في المساجد، التي يضيقون عليها الخناق، كيفما كانت وجهة كلام أصحابها، لأنه حين كان الخطباء والدعاة والوعاظ يقتصرون على تعليم الناس مبادئ دينهم، كانوا يُنعتون بفقهاء الحيض والنفاس، وعندما شرعوا في الكلام عن الشأن العام، أُنزلوا من المنابر، وأوقفوا عن الخطب والدروس، بتحريض من بني علمان، وتم تهديدهم بفزاعة “قانون الإرهاب”[1]، كما تم إصدار الفتاوى العلمانية الحداثية التي تنص على أن السياسة ليست من الإسلام في شيء، وعلى اعتبار الحزب المؤسس على أساس إسلامي من الكبائر، في الوقت الذي يسمحون لأنفسهم بالخوض في كل شيء، وفي أخص خصوصيات الدين التي لا يحسنها إلا العالم النحرير، معتبرين ذلك من أركان الديمقراطية والحرية!
فمنهم من ينادي بإسكات صوت “حي على الصلاة حي الفلاح”، ومنهم من يدعو إلى الحرية في انتهاك حرمة رمضان[2]، ومنهم من لا يعتبر عيد الأضحى إلا مناسبة للمساهمة في تلويث البيئة، ومنهم من يفتي بتربية الخنزير عوض النعجة لأنه أكثر خصوبة وأدر ربحا، ومنهم من يتهجم على الخلفاء الراشدين[3]، ويشكك في عدالتهم ونزاهتهم وتقواهم.. وهلم جرا من هذا الهذيان العلماني الحداثي!! الذي يصيب الإسلام في الصميم. ومع ذلك يرفضون المزايدة على أنهم مسلمون!
ونحن نقول نعم أنتم مسلمون، لكن أثبتوا لنا ذلك بالقول والعمل، والمواقف والأفكار، كما تثبتون ولاءكم المطلق للعلمانية والحداثة، في كل لحظة وحين وتذكرونها كما يذكر المسلم أذكار الصباح والمساء. لأنه لا يعقل أن يكون المرء مسلما ويستحل أكل رمضان باسم الحرية الشخصية! أو أن يعمل على إسكات الأذان حفاظا على راحة بني علمان! أو أن يفتي بتحليل الخنزير بدعوى الربح الاقتصادي! أو يطعن في عدول الأمة تشبعا بما لم يعط! إن هذا لا يستقيم في عقل وقلب ووجدان أي مسلم كبر أو صغر شأنه، عالما كان أو من عامة الناس، لا يكفي المرء أن يقول أنا مسلم، وفي نفس الوقت يحارب الإسلام، بل ويروج لنواقضه، ويعمل على نشرها وبثها في نفوس المسلمين وواقعهم.
إن “إسلام” بني علمان إسلام هلامي حمال ذو وجوه، يخالف إسلام رب العالمين الذي أنزله على رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، إسلام سطره المستشرقون المغرضون، والمستخربون المجرمون، وفَصّله تقرير راند، إسلام يريدونه شخصيا، كنصرانية الرهبان في الصوامع، لا يقدم ولا يؤخر شيئا.
هل يكفي أن يدعي الطبيب أنه طبيب، وهو لا يقدم أي خدمة للمرضى، بل ويعمل على نشر الأمراض بينهم؟!
هل يعقل هذا؟!
إن للناس عقولا يعقلون بها، فكفى من التهريج البغيض المقيت المحزن.
كفى من الضحك على الأذقان، “وبيع الحمار والاستهزاء بمن اشتراه”.
كفى من الطريقة القذافية التي يحار العقل في أنها صادرة عن بشر، لأن القذافي يدعي الحرص على أرواح الشعب الليبي وعلى وحدته، ثم يمارس العكس تماما، وبنو علمان يدّعون الإسلام ويحاربونه، ويدعون الحرص على المذهب المالكي، ولم نر في أدبياتهم أو ممارستهم أي وجود لهذا المذهب من قريب أو بعيد، ويدعون الحفاظ على الوحدة الترابية، ويؤججون النعرات العرقية، ويدّعون تمسكهم بإمارة المؤمنين، ويعملون على إفراغها من محتواها وجعلها فزاعة في وجوه الإسلاميين.
يقول أحدهم: “مواقف الإسلاميين وخاصة السلفيين منهم، هو اقتراح العودة إلى سلوكات وتشريعات أصبحت علاوة على أنها متناقضة مع مطالب الديمقراطية والحرية والمساواة والكرامة المرفوعة في الشارع مدانة عالميا، بعد أن تجاوزتها المرجعية الدولية لحقوق الإنسان بالكامل منذ عقود.”
فعوض أن يقول هذا المغرض: إن ما يؤمن به مناقض للإسلام، ويلصقه بالإسلاميين وخاصة السلفيين، فالديمقراطية باعتبارها فلسفة، وليس باعتبارها آلية، مناقضة للإسلام، لأن الأغلبية لن تقرر بدل رب العالمين، ولنضرب مثالا على ذلك:
فلو قررت الأغلبية مثلا تحليل ما حرم الله، هل سيكون ذلك من الإسلام؟
هل سيناقض الإسلام نفسه ويقبل بهذه النتيجة؟
وهل سيقبل الإسلام اتخاذ الأخذان كما تطالب بذلك سناء العاجي، بدعوى الحرية الشخصية؟
وهل يقبل الإسلام بـ”للذكر مثل حظ الأنثى”؟
وهل يقبل الإسلام ببعض بنود اتفاقية”السيداو”؟
إن الهدف هو تطويق الإسلاميين من جميع الاتجاهات وتحنيطهم، للإتيان على بنيان الإسلام من القواعد.
———————
[1] – والفزاعات كثرت هذه الأيام، لأن بني علمان أصبحوا يتحسسون منابرهم التي استمرؤوا الاستلقاء عليها.
[2] – لماذا لم يؤلبوا عليهم السلطة كما ألبوها على من نقل تفسير آية في كتاب الله؟
[3] – ولم نرهم قط يتهجمون على أئمة الكفر المعاصرين أمثال ماركس ودوركايم وفرويد وسارتر وهيدغر وغيرهم.