قصة سفاح تطوان هل هي مجرد كذبة أبريل أم هو مخطط للحرب على النقاب أبو محمد عادل خزرون التطواني

 

الكذب داء عظيم إذ يعد من قبائح الذنوب وفواحش العيوب، وقد جُعل من آيات النفاق وعلاماته، ويُعد صاحبه مجانبًا للإيمان، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أبغض الخلق إليه الكذب، فالكذب والإيمان لا يتفقان إلا وأحدهما بحساب الآخر، والكذب ريبة ومفسدة على صاحبه. وإنّ التشبه بالكفرة منهي عنه في ديننا بل أمرنا بمخالفتهم، ولأنّ المشابهة ولو ظاهرًا لها علاقة بالباطن كما ترشد إلى ذلك الأدلة القرآنية والنبوية وحسبنا قوله صلى الله عليه وسلم: “ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”. ومن أعظم الخطر في المشابهة مع الكافرين أن يكون الأمر عندهم متعلقًا بأمر اعتقادي.
ومن مظاهر صور التقليد الأعمى للغرب ما يعرف بكذبة شهر (أبريل). فمع بداية شهر أبريل من كل عام يتذكر الكثير منا “كذبة إبريل”، وكم رأينا وسمعنا لهذه الكذبة من عواقب سيئة وحقد وضغائن وتقاطع وتدابر بين الناس، وكم جرت هذه الكذبة على الناس من ويلات بين الأخوة وبين أهل البيت، وكم عطلت على الناس من مصالح نتيجة ذلك، وكم أوقعتهم في خسائر مادية ومعنوية وغير ذلك، بسبب هذا التقليد المتبع من عهد قديم في معظم الدول الغرب، والذي يحرمه الدين والعقل، ويرفضه العقلاء والناضجين وكل ذي لب.
وهذا العام جاءت كذبة أبريل حول قصة السفاح المتخفي بزي أخواتنا المنتقبات، في ظروف كان فيها الشارع التطواني يصرخ فيه بصوت واحد رجالا ونساءً حول المطالبة بالإصلاحات من أجل تحسين ظروف العيش، وتحقيق العدالة والحريات، وإيقاف الاعتقالات التعسفية، وإدانة كل أساليب التعذيب، والمطالبة بتفكيك “الأجهزة القمعية”، ومحاسبة المتورطين في الاعتداء على الحريات، والكشف عن كافة المعتقلات السرية وإغلاقها، على حد تعبيرهم. فإذا به تنشر شائعة (مُصْطَنَعَة) وأعيدها مرة أخرى شائعة (مُصْطَنَعَة) تتحدث عن وجود سفاح بمدينة تطوان يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية.
ترجع أحداث قصة السفاح إلى رجل يقال أنه كان يشتغل بإحدى المخبزات التقليدية أو ما يعرف بـ”الفران” وأعطته امرأة محجبة طفلا صغيرا في إناء مغطى بمنديل لكي يطهوه وعندما كشف عن الإناء فإذا به يجد طفلا رضيعا مجزء إلى قطع صغيرة، أصيب وقتها بنوبة نفسية وعصبية شديدة، وهذا ما جعله ينتقم من الفتيات والسيدات وقتلهن، وهي الحكاية نفسها التي كان مروَّجا لها قبل أيام في كل من مدينة القصر الكبير ومدينة العرائش ومدينة طنجة وصولا إلى تطوان، بنفس القصة والمضمون و الصيغة والأسلوب، وكأنها تبحث لها عن محيط معين لتحقيق أهداف معينة يعلم الله ماهيتها؟
والناظر في هذه القصة يجدها حكاية نسجت على غرار ما كان ينسج للصغار في صباهم من خرافات وأساطير، لزرع الهلع في صفوف المواطنين وبث روح القلق والاضطراب وهز أمن البلاد.
وفي أعقاب سريان هذا خبر عن وجود سفاح خطير أكدت السلطات الأمنية من جانبها في مختلف جهات المدن السابقة الذكر، أنها لم تتوصل بأي شكايات في الموضوع، ولم تقف على أي جرائم أوقعها سفاح بمثل المواصفات الرائجة مؤكدا: إنه لو افترضنا جدلا أن الخبر كان صحيحا لكانت السلطات المحلية قد بادرت إلى إخبار المواطنين رسميا لاتخاذ الحيطة والحذر !
ليبقى ما يتداول في بعض الأوساط المجتمعية، مجرد اشاعات وأكاذيب مجهولة المصدر.
والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو:
من المستفيد من ترويج هذه الشائعات؟
وماذا هو الهدف وراء ترويجها؟
والجواب واضح كوضوح الشمس في كبد السماء، ألا وهو النيل من النقاب من جديد بعد عدة محاولات لمحوه باءت بحمد الله بالفشل.
فكل أخت طاهرة عفيفة خرجت من بيتها اليوم تضايق من قبل العوام بالغمز واللمز ونعتها بالسفاح، حتى أطفال المدارس؛ لقنت لهم هذه الخرافة؛ فحيثما وقعت عينهم على أخت منقبة أشاروا إليها بالسفاح، فصارت رهينة وأسيرة بيتها لا تستطع الخروج لقضاء حوائجها بأمن واطمئنان، وخاصة بعد تلك الحادثة “بدور المخزن” إذ اعتدي على إحدى الأخوات من طرف بعض المتسكعين، حيث نزعوا عنها نقابها مدعين أنه السفاح، مسمعينها شتى الشتائم، وإلى الله المشتكى.
فالمرجو من المواطنين إقامة الحد لهذه الشائعة المكذوبة والترفع عنها، وما هي إلا ذريعة لإشغالكم عما هو فيه صلاح دينكم ودنياكم. ومن هذا المنبر أقول لمن يستهزئ: اتق الله تعالى، وابحث في نفسك، واعلم أن قلبك مريض، فما يستهزئ بالنقاب إلا مريض القلب، وليراجع نفسه، مرة بعد مرة، ولينظر ما يفعله هل هو لله، وهل يرضي الله تعالى ما يفعله أم أنه شهوة نفس غلبته.
بل ليعلم أنه عاص عند الله تعالى، وأن فعله مغضوب عليه، حتى يرجع إلى من أساء إليه، ويعتذر عما بدر منه، فإن الله تعالى لا يغفر لرجل أخطأ في حق أخيه، حتى يستسمحه. ويجب الترفع عن هذه الخصال الذميمة والكف عن التحدث بكل ما يسمعه المرء، فعن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع” رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله تعالى: وأما معنى الحديث والآثار التي في الباب: ففيها الزجر عن التحدث بكل ما سمع الإنسان؛ فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب، فإذا حدَّث بكل ما سمع فقد كذب؛ لإخباره بما لم يكن، وقد تقدم أن مذهب أهل الحق: أن الكذب: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، ولا يشترط فيه التعمد، لكن التعمد شرط في كونه إثما والله أعلم. (شرح مسلم 1/75).
وأقول لأخواتنا العفيفات الطاهرات ما هي إلا سحابة عابرة، واعلمي أن طريق الرشاد لا يخلو من الابتلاءات، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ). (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ).
نسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوب المسلمين أجمعين، وأن يجمعنا دائما على الخير والطاعة والإيمان وليجعلنا إخوة متحابين، على سرر متقابلين، في جنات النعيم. اللهم آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *