عندما يتباهى أهل العار باستئصال بدائله كل شر وشنار عبد المغيث موحد

ماذا لو أن صنفا من أصحاب الأقلام المتسفلة في النقيصة قد استحالت الأقلام بأيديهم إلى سيوف صارمة وبنادق محشوة ببارود الموت؛ وتغيرت وضعيتهم من صناعة الأعمدة المدخونة إلى صناعة القرارات الملغومة؟!

ماذا كان يكون لو أن أمر الله الكوني قد أذن لكل مترف منهم أن يسطو على مركز نفوذ أو يلامس ردفه جلد الكراسي السلطوية المؤثرة؟!
ماذا كان يكون لو أنهم استمكنوا من قيادة العالم وتوجيه أموره؟!
ماذا كان يكون سوى استئصالهم لشأفة الحق وبت الباطل بين الناس؛ وتركه عبر صولته وجولته يملأ آفاق المعمور بالمظالم والأحزان ويزحم الأرجاء بالضحايا والمظلومين!!
ماذا كان يكون غير ما نص عليه صاحب عمود “في الواجهة” أحد صناع الحدث من أحداث الكرياس الذي يقصده كل قاصد حاجة لينفث فيه اللازم من دخول سوق البهتان وأكل طعام لحم الإنسان في مقاله المعنون بـ”استئصاليون … ولكن”، عند قوله وهو يتحدث عن نفسه وشاكلته من الصحب أستاذه البريني وصديقه في مرابطة الشر (حزين الأكحل) “نحن أكبر استئصاليين يمكن أن تراهم على وجه هذه البسيطة”.
ولأننا نعلم نوع الاستئصال الذي يقصده على الحق والصدق؛ والذي يعمل جاهدا لإخفائه ومواراته وراء أكمة تركيبه اللفظي وبضاعة كلماته المزجاة باصطلاحات سوق دارجته المريضة؛ والذي يتفلت منه بين سطر وسطر ليطل علينا بوجهه البشع البغيض؛ كقوله وهو يتكلم عن سنة حف الشارب وإعفاء اللحية ونبزه لأهل الامتثال بواضعي “الشطابات” أسفل ذقونهم.
ولا أدل على مدخونيته لحب هذا الوطن وخوفه على مكانته بين الأمم كثرة عطفه للمستأصلات دون تعريجه عن ذكر بدائل ما بعد الاستئصال. بدائلهم التي يعرفها كل من أخذ بشماله لفافة الورق السحري ورق “الأحداث المغربية” ليعاين الشر فيتوقاه بسابق المعرفة مما حواه ركن من “القلب إلى القلب”!!! من أفن وعفن ودرن يكاد شر غاسقه يصور المجتمع المغربي في لوحة قمئة عمادها الخنا والخيانة والسحاق واللواط واغتصاب أعراض المحارم وطابو البكرة وطابو اللحية وطابو الحجاب والإتيان على كل فضيلة ورمي كل عفاف وزفاف بتهمة الظلامية والاستبداد والاستعباد.
وحتى لا نسترسل مع حبل هذه المعطوفات التي لا يقوى أي قلب سليم على النوء بحمل ثقلها النتن المدخون؛ يعلم الله كم هو صبر كل حليم عند إرسال البصر وإرجاعه الكرة والكرتين بين سطور القوم وتركيباتهم المزجية؛ فقد يحتاج منك مشروع قراءة عمود من أعمدتهم المشبوهة إلى عناء اقتحام عقبة أو جهد رحلة صيف في صحراء لا زرع فيها ولا ماء.
لكننا مع هذا الصبر نشكر الذي يأبى إلا أن يتم نوره سبحانه ولو كره الاستئصاليون الجدد؛ نشكره شُكرَ من سمع الخبر فوعاه وصدقه؛ ولعل مما وعيناه وصدقناه حكمه الحاسم في ذهاب الزبد جفاء وبقاء ما ينفع الناس في أرضه سبحانه بقاء مكث ودوام.
فأي قيم مستهجنة تخرج إلى الوجود وتأتي مصادمة للفطرة السوية التي لا تبديل لها لا خوف منها ولا حزن فإنها تكون محدودة بل موقوتة مآلها إلى زبالة التاريخ لتدفن في لحد النسيان بصمت وإغراب وكأنها لم تغن بالأمس القريب، وأنى لها أن تغنى وهي النبات الذي لا جذور له والركام الذي لا أصول له تلك الأصول المنبعثة من فطرة الإلهام الأولى؛ والحش الذي تأنفه الأنعام فما بالك أن يحل محل الشاغر من احتياجات الإنسان المستجيبة لأصل الإيلاد؛ والملبية لغاية الإيجاد وتلك ولا شك سنة الله في خلقه: البقاء للأصيل، أما الطارئ: فسراب بقيعة وحبل من دخان.
إن أصحاب هذه الأقلام المتسفلة في النقيصة هم الذين يسارعون في تجليات بدائل ما بعد نجاح مشروع استئصالهم، المستدرك يلفظ: “لكن” فيتغنون ببهرجة عن النجاح الذي تحققه فضاءات المهرجانات الراعنة من مثل “موازين وبوليفار وتيميتار” وحبل الرعونة طويل طويل، فينفخون في أرقام الحضور لشرعنة صفقات نزيف المال العام؛ وفرملة ضمير الاحتجاج؛ وقتل وازع التسخط؛ وتصوير السقوط في ثياب العروج؛ والتدليس على العوام في أدبيات تحصيل حاصل النجاح؛ الذي يعلم كثير من الشرفاء أنه يبدأ من تعتيل كفتي الربح والخسارة، وأن الربح لا يقاس إلا بثمار الحال ومقاصد المآل وكذلك تعففا عن البسط قياس الخسارة.
إن أصحاب هذه الأقلام المسمومة يطلبون من الشعب المسلم أن يعتذر ويتمسح أقدام الذين كان لهم الفضل في استقطاب رمز الخلاعة والعري نجمتهم “شاكيرا” لا لشيء إلا لكونها استقطبت كثرة الغثاء المنفوخ في كمِّه وكيفه.
تلك الكثرة التي تغنت بها هذه الأقلام اليوم لغرض ما هي عين الأرقام التي أسالت حولها السيول من الحبر تنبيها منها لغرض ما عن تفشي الأمية وارتفاع نسبتها المائوية، فيا للعجب أن تصير عين النسبة موضع التنبيه والشكوى هي نفسها اليوم معيار التوفيق ورمز التفاضل بين فبراير ومايو، بعيدا عن تعتيل ما ربحه معلوم وخسارته مشهودة.
يبقى الأهم توفير الجهد الذي نستطيع به أن نسلخ الأصيل عن جلد طوارئ المروق وأصباغ المسخ، وهو جهد لا نقدمه عبثا في مقابل سراب؛ بل هو مكس قضية انتسابنا إلى هذا الدين العظيم؛ انتساب إيمان وإقرار ودعوة؛ يكون أسلوبها قادرا على خلق انقياد وهجرة صوب النهل من مضمونها مضمون الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
عند هذا المستوى من الانتساب نحقق الهوية ونعرف وسيلة الدفاع عنها وشرف تسييجها في نفوسنا حتى لا تنال من جوهرها عاديات الزمان وأعراف المكان.
ولا نكتفي في انتصارنا لهذه الهوية بمناظرة ثنائية أو بإماطة الأذى عنها بخطبة موسمية الحال بليغة المقال؛ فقد لا تغني هذه الوسائل؛ وقد لا يلتفت إليها في بيئة تحكمها الأهواء؛ وتستأسد فيها الجهالة؛ ويتأرنب فيها العلم والمعرفة؛ بل الواجب حينها كل تجلية يراد منها تبعا تحلية البيئة التي ستكون لها بفضل الله أهلية احتضان الحق والدود عن حياضه، وهي بيئة من خصائصها فقه قيمة هذا الحق وتمجيده؛ والصبر على أذى فتنة التمسك بعراه؛ وافتداءه بنقص الأنفس والأموال والثمرات.
فيناط بأنفاسها تعاهد هذا الحق ورعايته بمادة الوحي التي ربى بها سيد الخلق جيل الصحبة؛ فاستنارت بهذه المادة البصائر؛ واستقوت بها الجماعة في غربتها الأولى؛ واستكثرت بها القلة حتى صارت سوادا عظيما من الغر المحجلين تسبقه سمعة الترغيب والترهيب مسيرة شهر؛ شطا عن البؤرة المكانية لمادة التنزيل مدينة منارات الحق ومكة البك الدائم بدوام السماء والأرض.
وحاصل القول: أنه مع غفوة حقنا وسكرة طلابه منا سننزل دركات نبتعد مع كل إيغال في هذا النزول عن سمو انتسابنا وقلعة بيئتنا المنشودة؛ حينها وجب الإقرار والبوح على غير استحياء أن هناك أشياء ما بيننا تنبض في غير صواب فتدفعنا إلى أن نكون مغنما للشيطان وحظا سهل المطية لأوليائه من الإنس؛ نصدر أفواجا لنقف بمسكنة وازدحام أمام سرادق الضرار؛ فنكون بمثابة البدائل المأمولة التي تنحني بمذلة أمام الأصاغر من النجوم الآفلة؛ وحينها سنكون مجرد أرقام في بورصة البدائل وسوق المزايدات البائعة للأرض والعابثة بالعرض؛ وحينها سيستعمل أصحاب الأقلام الكانسة حضورنا الغثائي لشرعنة عبث النجاح؛ وتمرير صفقة بيع الغبن الذي يصيب الأرض والعرض والمال بالإفلاس والإفساد والبوار. نسأل الله العفو والمعافاة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *