وجاءوا على قميصه بدم كذب..! د. حمزة الفتحي

لم يكن الدم الأحمر القاني، المزعج للأنظار، كافيا في إثبات الجريمة! لأنه باختصار، يمكن أن يزوَّر ويستعار، وينسى الجاني دلائل مصاحبة، كتهتك القميص من فرط الافتراس، وهو ما غفل عنه إخوة يوسف عليه السلام، وحبل الكذب قصير كما يقال!
ولهذه الآية أصل في كشف البراهين المموهة الكاذبة، والحجج المفبركة الساقطة، التي تتكرر في كل زمان، فبرغم غزارة الدم وسطوعه، وتلطخ القميص به، بشكل مرعب تهتز له النفوس، يفشل الظلمة في إبراز حجة مقنعة، ولذلك يأتون بدليل كذب، ظاهره الصدق، وباطنه المين والقبح، المنتهي إلى أن يكون أضحوكة مدوية في أنحاء العالم.
افتراس الذئب لجثة بريئة، لابد أن يقترن بقرائن وملابسات تجسد ذلك، فالدم مغشوش، والقميص سليم، والكلام مرتبك! إذن هنا مؤامرة وتسويل داخلي، جركم لمثل هذا الصنيع.
ويشبه ذلك من يلتهم أموال الناس، ثم يحمل السواك والمصحف! أو من يقتلهم ويستبيح دماءهم، ثم يخرج إلى العمرة، ويتصور رافعا يديه.. أو من يحرق المساجد، ثم يظهر متباكيا على أحوال الأمة! ومن يفرح الصهاينة بتنصيبه، ويضيق به أهل الإسلام.
الأدلة الكاذبة المموهة هذه الأيام كالدماء الكاذبة، وكاللحى المستأجرة، والقمصان القصيرة، والأبواق التافهة المضللة!
فبرغم الانفتاح الإعلامي والطفرة التكنولوجية، فلا يزال الدجالون يجدون لهم موطئ قدم، والكذابون لهم سوق يترددون عليها، والأفاكون يتلونون، ويلبسون لكل حالة لبوسها.
ولكن ما دواعي البراهين الكاذبة، والأدلة الواهية؟؟ إذا كنت سليما من حيث المبدأ:
تمرير الباطل على الحق؛ الضحك على الناس والذقون؛ شرعنة الزيف والعيب والخيانة؛ تقليب الدين حسب الأمزجة والأهواء؛ اللعب بورقة الحقيقة والتدين والمظهر الآسر الجميل؛ طمس وعي الجماهير والتدليس عليها؛ استغفال البسطاء وتحييد النبهاء على أقل الاحتمالات.. وهذا منهج فرعوني قديم، {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}.
كلمات تشع بالحرص الفائق، والشفقة الحانية، يستعملها الظلمة والعتاة من حين إلى آخر لمزيد المين والتضليل! وكيف الآن وقد باتت لديهم وكالات أنباء وفضائيات كالأخطبوط، ممتدة في أنحاء العالم، وتخترق كل الحدود والحواجز! بل أضحينا في عالم بلا حدود، ما دامت الدنانير والنقود حاضرة!
إذ أصبح العالم كالشيء والسلعة التي تمتلك بقانون المال وسلطته، وتحقيق المنفعة..
والمقصد أن أكثر وسائل الإعلام المهترئ لا تُحكِم الحبكة جيدا، وتبقي ثغرات تكشفها مع مرور الأيام، ومع استحلاء لذة الغباء، يكشف على الحال حتى لو أبدى برهانا، أو جاءك بموجعات، أو صور مؤلمة! فإنها على الحقيقة لا قيمة لها، وهي لا تعدو أن تكون فقاعات إعلامية استهلاكية، {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين}.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *