من فقه البيوع النوع السادس من البيوع المحرمة البيوع المحرمة لمكان الوقت المستحق بما هو أهم من البيع البيع عند أذان الجمعة

من الظواهر التي لا تخطئها العين في مجتمعاتنا فشو هذه الظاهرة، ظاهرة البيع والشراء عند أذان الجمعة، وقد ورد النهي عن ذلك صريحا في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ” (سورة الجمعة الآية: 9)، فدلت الآية الكريمة على تحريم البيع عند النداء لصلاة الجمعة.

قال ابن رشد رحمه الله: وهذا رأي مجمع عليه فيما أحسب، أعني منع البيع عند الأذان الذي يكون بعد الزوال والإمام على المنبر1.

– من مسائل الباب:
المسألة الأولى: قيود تحريم البيع عند نداء الجمعة2.
إن تحريم البيع وقت نداء الجمعة مقيد بقيود منها:
* أن يكون المشتغل بالبيع ممن تلزمه الجمعة، فلا يحرم البيع على المرأة، والصغير، والمريض، والمملوك، والمسافر، لأن الله جل وعلا نهى عن البيع من أمرهم بالسعي، فغير المخاطبين بالسعي لا يتناولهم النهي. وروى أبو داود (1067) عن طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض”. وقد ساق العلامة الألباني شواهد الحديث في الإرواء (3/45)، وفي بعضها زيادة (أو المسافر) وهذه الزيادة وإن ضعفها بعض أهل العلم، فقد قال ابن عبد البر في الاستذكار: “وأما قوله -أي مالك في الموطأ-: ليس على مسافر جمعة فإجماع لا خلاف فيه”.
* انتفاء الضرورة إلى البيع:
كأن يضطر مسلم إلى طعام، خشية الهلاك أو المرض على نفسه أو على غيره، وكذا إذا اضطر إلى سترة يستر بها عورته، وما أشبه ذلك فإن هذا يجوز له الشراء ولا يحرم على البائع أن يبيعه إذا علم الحال.
* أن يكون المشتغل عالما بالنهي فإن الحكم لا يثبت في حق المخاطب إلا إذا بلغه.
* أن يكون عند الشروع في الأذان الذي يكون عند جلوس الإمام على المنبر.

المسألة الثانية: هل تقاس سائر العقود على البيع في التحريم3؟
جمهور أهل العلم على أن النهي عن البيع عند نداء الجمعة يشمل النهي عن غيره من العقود، كالإجارة، والشركة، والشفعة، وغيرها مما فيه مشاغل عن الجمعة.

المسألة الثالثة: هل يصح البيع بعد نداء الجمعة إذا تعاطاه متعاط أم لا؟
قال ابن رشد: “واختلفوا في حكمه إذا وقع: هل يفسخ أو لا يفسخ؟ .. فالمشهور عن مالك أنه يفسخ، وقد قيل لا يفسخ، وهذا مذهب الشافعي، وأبي حنيفة4. انتهى كلامه رحمه الله.
وقال الحافظ ابن كثير: واختلفوا هل يصح إذا تعاطاه متعاط أم لا؟ على قولين، وظاهر الآية عدم الصحة كما هو مقرر في موضعه والله أعلم5.

المسألة الرابعة: ما الحكم إذا تبايع من تلزمه الجمعة مع من لا تلزمه؟
سبق أن من لا تلزمهم الجمعة مستثنون من حكم تحريم البيع وقت نداء الجمعة فلو تبايع اثنان ممن لا تلزمهم الجمعة فلا حرج عليهما.
أما إذا وجبت الجمعة على أحدهما دون الآخر فإن جمهور أهل العلم على أنهما يأثمان جميعا: الذي وجبت عليه لارتكابه النهي، والآخر الذي لم تجب عليه لأنه أعانه على الإثم6.
وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وآله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/276).
2- انظر ما لا يسع التاجر جهله (ص:91-92).
3- المصدر السابق.
4- بداية المجتهد (2/276).
5- تفسير القرآن العظيم لابن كثير (8/79).
6- ما لا يسع التاجر جهله ص92.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *