عندما يقترب عيد الأضحى تتنافس الأبناك والمؤسسات الربوية فيما بينها بتقديم عروض خاصة على أنها “وصفة عيد الأضحى لهذا العام”, موظفة لتحقيق ذلك كل ما يتاح لها من وسائل إعلام المرئية منها أو المسموعة أو المقروءة , ومستغلة كعادتها حاجة الأسر الفقيرة أو ذات الدخل المحدود أو المتوسط لشراء أضحية العيد.
حيث تقوم هذه الأبناك والمؤسسات بتزيين القروض الربوية من خلال الرسومات الكاريكاتورية والشعارت البراقة والمثيرة والوصلات الإشهارية “ديرْ بْحَالْ جحا عيَّد بالحاضْر وأدِّي بالخَاطر”, كما تقوم بتسهيل عملية الاقتراض بتبسيط الوثائق المطلوبة وتحديد أجرة المقترض في أدنى حد للأجور,فيحول الحول والحولين والمقترض لايزال يؤدي اقتطاعات القرض.
ومما يجدر التنبيه عليه هو أن الأضحية شعيرة من شعائر الملة الحنيفية وسنة من سنن الأنبياء عليهم السلام وليست عادة سنوية كما يقول بعضهم، قال تعالى: “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ” الحج34.
وسنة الأضحية كما لا يخفى إنما تجب – على وجه السنية المؤكدة- على من كان قادرا عليها من غير أن يكلف على نفسه, بحيث يمكنه أن يضحي ـ من غير حرج ـ عن نفسه وعن كل من هو تحت نفقته من أقاربه، أضحية واحدة فقط، وذلك لما رواه مالك والترمذي و ابن ماجة بسند صحيح عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: ”كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته”.
فالذين يستدينون من الأبناك الربوية لأجل شراء الأضحية فإن عملهم هذا حرام حرمة قطعية بدليل قوله تعالى: “الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” البقرة275.
فإذا كان الاقتراض من البنك أو غيره يشمل فائدة ربوية فإن الأضحية تعتبر غير شرعية، وبالتالي فإنها لا تكون مقبولة عند الله، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا”، وما يفعله بعض الفقراء والمحتاجين من بيع أمتعتهم الضرورية أو الحاجية، لأجل شراء الأضحية، كل ذلك ونحوه لا يوجد له سند من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مجرد تكليف المسلم نفسه بما لم تكلفه به الشريعة السمحاء, فمن عجز عن الأضحية فإنه غير مطالب بها لقوله تعالى: “لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا…” البقرة286.
ولأن رفع الحرج وسد الذرائع من مبادئ الشريعة وأصولها والأدلة على هذا كثيرة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ضحى عن كل من لم يستطع الأضحية من أمته، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين أملحين أقرنين موجوءين فلما ذبحهما قال: إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين، اللهم! منك ولك عن محمد وأمته، بسم الله، والله أكبر (حسن، مشكاة المصابيح1406 ).