بنو علمان بين اليهودية والإسلام ذ.الحسن العسال

لماذا يكيل بنو علمان بمكيالين؟
المكيال الأول: يكيلون به للإسلام والمسلمين، وهو من عيار “الدين أفيون الشعوب”[1]، حيث يتمخض عنه تنقيص من الحجاب، ومحاولة تشويه العفيفات، واستهزاء بالنقاب، وتقزز من عيد الأضحى، وتكالب على كل خطيب جمعة جهر بكلمة حق، وتشهير بدور القرآن وروادها.
ما تركوا للمسلم لباسا أو مؤسسة أو طريقة حياة، إلا ونالوا منه ومنها.
ولم نرهم قط يعلنون عن مخططات أو برامج، أو حتى مشاريع علا أو تواضع شأنها، دون أن تكون هدامة لقيمنا أو أخلاقنا. “ومشروع” تقنين البغاء ليس عنا ببعيد!
لم نسمع منهم مشروعا يخولنا الحصول على الاكتفاء الذاتي في الغذاء، خصوصا في القمح الذي أصبحت الأراضي المخصصة لإنتاجه تقل عاما بعد عام، لصالح مواد غذائية تكميلية، الهدف منها التصدير قصد الربح السريع.
كما لم نسمع منهم تسليط الضوء على تجارب دول إسلامية ناجحة أمثال تركيا وماليزيا وأندونيسيا، لا لشيء إلا لأنها مسلمة، ولأن قبلتهم [أي بنو علمان] الدائمة لا تتحول عن وجهة الغرب، خصوصا فرنسا، وتحويل القبلة من مبطلات الحداثة، عندهم، بدليل أن رشيد الطالبي العلمي عن فريق التجمع الوطني للأحرار أزبد وأرعد لعدم إدراج كلمة “حداثة” في البرنامج الحكومي!
فحسبكم هذا التفاوت بيننا — وكل إناء بالذي فيه يتضح
أقول: كل العالم يتحدث عن التجربة الاقتصادية التركية، إلا بني علمان من بني جلدتنا، لأن حكومة حزب العدالة والتنمية المحسوب على التيار الإسلامي، استطاعت الحصول على اكتفاء ذاتي في الغذاء، بل وأصبحت تصدر الفائض منه، واستطاعت تأمين الولوج للعلاج لكل مواطن، بل لكل سائح، وأصبح اقتصادها السابع عشر عالميا، وجعلت التعليم والصحة من المجالات الأساسية، ومن أولى أولوياتها. كما عملت على إعادة هيكلة الزراعة، وعدم تركها للسوق الحرة، مما خول تركيا تبوء المرتبة السابعة في تصدير المنتجات الزراعية عالميا.
وكل هذا تم تحقيقه في ظرف تسع سنوات. إلا أن بني علمان في غفلة من هذا كله، لا لشيء إلا لأنهم عدو لكل ما هو إسلامي!! ويكرهون الترويج للإسلام، [وهم المسلمون!!]، ولكل ما يمت للإسلام بصلة، فلو فعلوا سقطت علمانيتهم وحداثتهم.
أستغرب، والله، كل هذا الحقد على أي شيء تُشْتَمُّ منه رائحة الإسلام، خصوصا ما يقترب من السياسة والحكم، لأن بني علمان ألفوا أن يصولوا ويجولوا فيهما دون حسيب أو رقيب من العلماء.
ولحقدهم على كل ما هو إسلامي فقد انحازوا للمعارضة وكشروا عن أنيابهم، وأبرزوا مخالبهم، بمجرد الإعلان عن فوز حزب العدالة والتنمية. بل وأبدوا عن نواياهم العدوانية، وأفصحوا عن أحكامهم المسبقة، قبل أن تشكل الحكومة، لا لشيء إلا أن الحزب الفائز برئاسة الحكومة له مرجعية إسلامية.
مع أن “العقلانية” و”الواقعية” تقول أن عليهم التريث، وعدم الانحياز إلى المعارضة، فضلا عن ممارستها، ليس بعد تشكيل الحكومة فحسب، بل بعد الإعلان عن البرنامج الحكومي، وإعطاء مهلة كافية لتنزيله على الواقع.
إلا أن شيئا من هذا لم يكن، بل سارعت المعارضة العلمانية إلى لعب دور العرقلة، ووضع العصا في العجلة قبل صناعتها؛ عوض التحلي بالمسؤولية، إما بالمشاركة الفعالة أو بالمعارضة البناءة، سيرا بالبلد إلى الأمام، لأن الخاسر في النهاية هو الشعب برمته، وليس فقط الحكومة.
وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال تقديسها، ولكن التعامل معها بشكل عقلاني واقعي، دون أفكار معلبة، كما أكد على ذلك رشيد الطالبي العلمي، أثناء مناقشة البرنامج الحكومي، الذي بدأ يتحدث عن السرائر التي لا يعلمها إلا الله تعالى!
والمكيال الثاني، الذي في حوزة بني علمان خلا من عيار “الدين أفيون الشعوب”، لأنه، ببساطة شديدة، خاص باليهود واليهودية.
فبالرغم من أن هناك يهودا مغاربة، يمارسون شعائرهم بحرية تامة، لم نجد أحدا من بني علمان انتقصها، أو نال من رموزها، أو عبأ الشارع ضدها، أو عمل على تغيير أحوالهم الشخصية، أو وصم لغتهم بالمتحجرة والماضوية، وضايقهم في تلقيهم التعليم العبراني في التلموذ، كما يُفعل ذلك بالإسلام والمسلمين.
بل لا أحد تحدث عن مساواة المرأة اليهودية بالرجل اليهودي، أو أقام الندوات، وعقد المؤتمرات وأنتج الأفلام، وأنشأ الجمعيات النسائية وأشباهها، مادام أنه لا يحق للمرأة اليهودية في دينها الإرث عندما تتزوج، لا أحد تحدث عن أن هذا انتقاص من المرأة، وحط من كرامتها.
ولا أحد من بني علمان ينسب اليهود الذين يتبركون “بالأولياء والقديسين” اليهود، قصد الإنجاب، إلى الخرافة والدجل.
ولا أحد سلط الضوء على أن الخمسة ملايين يهودي، المغتصِبة لفلسطين، بينهم مليون مغربي يهودي، وأن منهم من ينتمي لأكثر الأحزاب اليهودية تطرفا في فلسطين، لا أحد سلط الضوء على الرّبّيّ اليهودي، كما يسلط الضوء على علماء المسلمين، ودعاة المسلمين.
لماذا لم “تُجَيَّش” الآلة العلمانية لتحديث اليهودية، كما “أرادوا” ذلك بالإسلام؟
لماذا لم يشكك أي علماني في “المحرقة اليهودية” المزعومة، بدعوى حرية الفكر وحرية التعبير، كما يحاولون التشكيك في تاريخنا وتراثنا؟
أم، إن دين اليهود مقدس، ودين المسلمين مستباح !أو ربما دين اليهود حداثي، ودين المسلمين رجعي!
لماذا يمارسون الرقابة الذاتية، كي لا يغضبوا أولياء نعمتهم الغربيون عندما يتعلق الأمر باليهودية واليهود، ولا يتقون من لا تخفى عليه خافية عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين؟
لماذا لا يرْقبون في الإسلام إلا ولا ذمة، وهم المسلمون!
لماذا تهمهم عدم سياقة المرأة السعودية للسيارة في السعودية، ولا يهمهم منع اليهود في فلسطين؛ منذ أيام فقط؛ لوضع تعليمات داخل القطارات باللغة العربية، بدعوى أنها “تقلق راحة المسافرين”![2]
يحلو لبني علمان أن يحتفلوا “بتشرذمنا”، ويسفهوا ويشوهوا تاريخنا، ولم نسمعهم قط يفعلون الشيء نفسه مع تاريخ اليهود كما أكد على ذلك اليهودي (إسرائيل ولنفنسون)، في كتابه “تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام”. حيث قال:
“نحن لا نشك في أن اليهود لم يكونوا متحدين في ميولهم السياسية والاجتماعية، فقد كانوا في شقاق دائم، ولم تظهر بينهم الألفة إلا في أيام البؤس والشدة[3].
كما اتحد بنو النضير وبنو قريظة في يوم بعاث، ضد عدوهم من بني الخزرج، وفي يوم بعاث كان بنو قينقاع يحاربون إلى جانب صفوف الخزرج، ضد أبناء جلدتهم. وقد بالغ اليهود في قتلهم. وعداوة بني قينقاع لبقية اليهود قديمة؛ فيما يرى بعض المستشرقين؛ إذ أكرههم اليهود على الخروج من مزارعهم، والاكتفاء بحيهم الذي كان يحميه بنو الخزرج”. (ص:107).
وشهد شاهد من أهلها، ولكن بني علمان لا يفقهون، لأن الشهوات الفكرية أعمت عقولهم، والشهوات العاطفية أعمت بصائرهم، فأضحوا لا يرون إلا بعقول أعداء الأمة، ولا يهوون إلا بقلوبهم. لهذا تجدهم غربيي الهوى والفكر، يكيلون للإسلام بمكيال، ويكيلون لليهودية وسائر الأديان بمكيال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- “لأن من تولى كبر العلمانية والحداثة هم الاشتراكيون والشيوعيون القدامى،” آل البرمة والكسكاس.
2- عُذْر أكبر من جُرْم.
3- لذلك نجد بني يهود في فلسطين يصطنعون الأزمات ويروجون دور الضحية لصالحهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *