أغير الله اتخذ ولياً

ولاية المسلم لربه هي مسألة المسائل وأصل الأصول التي تتشعب عنها التصورات، وتنطلق منها المواقف.
وتزداد الحاجة للتركيز على هذا الأصل في غمرة الخلط الحاصل اليوم في ولاءات المسلمين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وههنا عرض لبعض مقتضيات هذه المسألة:

1 – إفراد الله بالولاية
ويدل عليه قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ ولِياً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ} ويربي القرآن المسلم على تحديد هذا الأمر بينه وبين نفسه وأمام الآخرين بوضوح وجلاء، {إنَّ ولِيِّيَ اللَّهُ الَذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف:196].
وولاية المسلم للرسل وللمؤمنين نابعة من هذه الولاية وهذه الولاية متبادلة بين العبد وربه، ولاء العبد لله وتولي الله لعبده؛ {اللَّهُ ولِيُّ الَذِينَ آمَنُوا}.
إذن فولاء المسلم لا يصح أن يتجزأ شيء لله وشيء لغير الله.

2 – إفراد الله بالعبادة
{قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ}.
والانصهار فيها حتى يصل العبد إلى الدرجة المبينة في الحديث، “فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها..”.

3- توحيد مصدر التلقي
عن الله وحده الذي يقول: {وأَطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ}، ويقول محذراً: {اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} فمصدر التلقي إذن هو الوحي فقط، وحق التحليل والتحريم لله وحده وليس لأحد بعده سبحانه.

4 – توحيد الانتماء إلى (أهل السنة والجماعة):
قال ابن القيم رحمه الله: (ومن صفات هؤلاء الغرباء التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس، وترك ما أحدثوه، وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله: لا شيخ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً، وأكثر الناس -بل كلهم- لائم لهم).
وتوحيد هذا الانتماء يفيد كثيرا في تجميع الجهود وتوجيهها؛ لرفع شأن أهل الحق وصد كيد أهل الباطل.

5 – محبة أولياء الله وفي مقدمتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
في الصحيح المسند من أسباب النزول، من رواية الطبراني في الصغير عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلى من نفسي؛ وإنك لأحب إلى من أهلي ومالي وأحب إلى من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك.
فلم يرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئاً حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرّسُولَ فَأُوْلَـَئِكَ مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مّنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَآءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـَئِكَ رَفِيقاً ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ عَلِيماً}.
وهذا يقوي الأواصر والروابط بين أفراد المسلمين وخلاياهم في المجتمع الإسلامي الكبير، ويقضي على دخائل النفس الخبيثة التي تنحرف بالمحبة في الله إلى أغراض أخرى، وذلك إذا والى كل مسلم أخاه، بحسب حاله من الإيمان والعمل الصالح. (الشيخ محمد صالح المنجد؛ بتصرف).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *