مهرجان (موازين).. بعيد عن (الموازين) الحسن بنهرو

مع اقتراب شهر ماي فتح النقاش مجددا حول مهرجان موازين؛ هذا المهرجان الذي لطالما طالب الشعب بإلغائه؛ ورفع مطالبه معبرا بكل عفوية:
“فلوس الشعب فين مشات فموازين والحفلات”..
“بغينا خبزة وكوميرة آش نديرو بشاكيرا”..
وفي الأيام القريبة الماضية صرح الحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني في حوار صريح أجراه مع جريدة أخبار اليوم أنه لا يجب أن يصرف المال العام في مهرجان موازين أو ما أسماه “بمهرجان الدولة”، حيث اعتبر أن الموضوع لا يتعلق بحرية التنظيم أو التعبير أو ممارسة الفن، ولكنه يتعلق بسؤال الحكامة على الأقل في ثلاث مستويات:
أولا: هل من الحكامة في تدبير المال العام أن تحصل جمعية ما على أموال عمومية ومن مؤسسات عمومية بملايين الدراهم لتنظيم تظاهرة باذخة في مجتمع يطالب فيه المعطلون بالتشغيل ويتطلع فيه سكان المناطق النائية لحطب تدفئة؛ ورغيف خبز؛ وقرص دواء؟
ثانيا: هل من الحكامة التربوية أن تنظم وتبث سهرات موازين في عز التحضير لامتحانات التلاميذ والطلبة كما لو أن مواعيد الفنانين أهم من مواعيد الحصاد العلمي لآلاف الأسر والطلبة والتلاميذ داخل المجتمع المغربي؟
ثالثا: هل من الحكامة الإعلامية وتكافؤ الفرص أن تبث سهرات موازين في القنوات العمومية لساعات طوال كما لو أن هذه القنوات ملك للجمعية وتحت تصرف مشيئتها؟
وكما كان متوقعا فقد استفز تصريح وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني عددا من الجهات الداعمة لهذا المهرجان، حيث نعت عبد المنعم دلمي مدير جريدتي “الصباح” و”ليكونوميست” الوزير الشوباني بـ “الجاهل”.
وكتب دلمي في افتتاحيته في جريدة الصباح مقالة عنونها بـ”جهالة”، تساءل فيها بقوله: “هل أصبح الجهل يدير الشأن العام”؟
هكذا هاجم دلمي الوزير الحبيب الشوباني، ودافع عن مهرجان اتفق كل عقلاء هذا البلد على رفضه؛ ودعوا إلى ضرورة الحد من هذه الأعمال التي تطبع الفجور والانحلال وتصادم أحكام الإسلام؛ وتبذر فيها الأموال فيما يعود بالضرر على الصالح العام.
وزاد دلمي في تبجحه مدعيا جهل الوزير بالواقع، وقال: “هي جهالة يمكن أن تبعث الاستغراب عندما يتعلق الأمر بإنسان عادِ، لكنها تصبح مقلقة إذا كانت نابعة من وزير، لأنه اعتبر أن المهرجان مضيعة للمال العام..”. وأضاف: “إن خرجة الوزير، إضافة إلى أنها تعكس جهله، وتثير مخاوف، لأنها تسعى إلى إظهاره بمظهر المستأسد، بهدف لجم الشعب المغربي”.
من الواضح أن الطريقة التي سلكها دلمي في الرد على وزير في حكومة اختارها الشعب المغربي بكل شفافية، تنم عن الشخصية الحقيقية للرجل؛ فهي طريقة لا يمكن لأي صحفي مبتدئ يحترم نفسه وعمله أن يقوم بها، حيث كان لزاماً على عبد المنعم دلمي أن يطرح وجهة نظره ويتقدم بنقده إلى الوزير بشكل حضاري؛ دون اللجوء إلى السب وأحكام القيمة والحكم بالنوايا، لأن بلدنا في هذه المرحلة بالذات في حاجة لنخبة من الحكماء؛ وفي حاجة ماسة للرقي بالخطاب والحوار إلى المستوى الذي يساعد على الانتقال إلى مرحلة متقدمة من النقد البناء.
إلا أن المرجعية العلمانية التي تصدر عنها العديد من المنابر الإعلامية لا زالت حاضرة وبقوة في المشهد الإعلامي الوطني؛ وهو ما يستدعي مزيدا من الجهد والعمل والمثابرة لكشف أباطيلها ومهاتراتها.
وعلى صعيد مواز رد عزيز الداكي المدير الفني لمهرجان موازين على تصريح الحبيب الشوباني في حوار أجرته معه يومية أخبار اليوم أيضا؛ وساق الداكي مجموعة من الشبه حاول من خلالها أن يبرر الدافع وراء تنظيم هذا المهرجان.
مدعيا أن المهرجان لا يتلقى تمويلا من الدولة، وهو ما ينافي تصريح الداكي نفسه الذي أكد في وقت سابق أن مهرجان موازين تلقى 6 في المائة من الدعم المالي العام!!
ثم إنه من المعلوم أن المهرجان يمول بدعم من العديد من المؤسسات العمومية؛ رغم تحفظ المشرفين على المهرجان على الاعتراف بذلك؛ ومن أبرز هذه المؤسسات شركة الجرف الأصفر للطاقة؛ الزبون الوحيد للمكتب الوطني للكهرباء؛ التي دعمت المهرجان بقيمة 5 ملايين دولار.
فلماذا تحتاج شركة لا تتعامل مع عموم الناس لدعم مهرجان موسيقي وهي ليست في حاجة أصلا إلى الإشهار؟
ثم ها هنا نقطة يجب الوقوف عندها؛ إذ يجب إعادة النظر في هدف ومفهوم الإشهار؛ ويتعين على المسؤولين الرافضين لهذا النوع من المهرجانات التواصل مع هذه الشركات الداعمة لمثل هذه الأعمال، وإبلاغها بأن هناك أعمالا أخرى يمكنها أن تدر عليها أموالا وتضاعف نسب أرباحها؛ إن هي دعمت الشباب العاطل والبحث العلمي وكل ما يعود على الأمة بالنفع؛ فهذا من شأنه أن يجعل المغاربة -على بكرة أبيهم- يرددون اسمها ويلهجون بذكرها ويقبلون على منتوجاتها.
ومن المناورات المكشوفة التي حاول الداكي القيام بها؛ ادعاؤه أن هذا المهرجان يعطي “الأولوية للثقافة”؛ فعن أي ثقافة يتحدث هذا الرجل: عن ثقافة “شاكيرا”و”مارية كاري” و”إلتون جون” و”كيلي مينوج” من مروجي ثقافة الشذوذ والجنس والخلاعة والرقص والمجون في مجتمعنا، فما هذا العبث!! أيحسب أنه يخاطب من لا يسمع ولا يعقل ولا يفقه شيئا!!
يبدو أن مهرجان موازين قد قسم فعلا المغاربة إلى فسطاطين لا ثالث لهما؛ فسطاط المصلحين الرافضين لموازين السخافات والإثارة الجنسية الحقيرة؛ المطالبين بصرف الأموال في البحث العلمي والاختراع والطب الحديث والهندسة وكل ما يعود على الأمة بالخير والصلاح؛ وفسطاط المفسدين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ولا ينقادون إلى شهواتهم ولا يأتمرون إلا بأوامر أسيادهم.
فلينظر كل منا إلى أيّ الفسطاطين ينتمي؛ وعن أيهما يدافع!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *