قال شيخ الإسلام: اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشي على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته للرسول صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره ونهيه.
وكرامات أولياء الله أعظم من هذه الأمور. وهذه الأمور الخارقة للعادة وإن كان صاحبها قد يكون ولياً لله، فقد يكون عدوا لله؛ فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين وتكون لأهل البدع وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يُظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله.
بل يُعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة.
مثال ذلك أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ ولا يصلي الصلوات المكتوبة، بل يكون مُلابسًا للنجاسات، ولا يتطهر الطهارة الشرعية ولا يتنظف..
إلى أن قال: فإذا كان الشخص ملابسًا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان أو يأوي إلى الأماكن التي تحضرها الشياطين أو يأكل الحيات والعقارب أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها أو يسجد إلى ناحية شيخه، ولا يُخْلِص الدين لرب العالمين، أو يأوي إلى المقابر ولا سيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى والمشركين أو يكره سماع القرآن وينفر عنه ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع 1كلام الرحمن فهذه علامات أولياء الشيطان، لا علامات أولياء الرحمن.
وقال رحمه الله:
وجماع أمر صاحب الفصوص وذويه هدم أصول الإيمان الثلاثة. فإن أصول الإيمان: الإيمان بالله، والإيمان برسله والإيمان باليوم الآخر. فأما الإيمان بالله: فزعموا أن وجوده وجود العالم، ليس للعالم صانع غير العالم. وأما الرسول فزعموا أنهم أعلم بالله منه ومن جميع الرسل، ومنهم من يأخذ العلم بالله -الذي هو التعطيل ووحدة الوجود- من مشكاته وأنهم يساوونه في أحد العلم بالشريعة عن الله، وأما الإيمان باليوم الآخر فقد قال:
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده — وبالوعيد الحق عين تعاين
وإن دخلوا دار الشقاء فإنها — على لذة فيها نعيم يباين
لها صلاتي بالمقـــــــــام أقيمهـا — وأشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصل عابد ســاجد إلى — حقيقة الجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي فلم تكن— صلاتي لغيري في أدا كل ركعة
وهذا يذكر عن بعض أهل الضلال قبله أنه قال: إن النار تصير لأهلها طبيعة نارية يتمتعون بها، وحينئذ فلا خوف ولا محذور ولا عذاب لأنه أمر مستعذب، ثم إن في الأمر والنهي عنده الآمر والناهي والمأمور والمنهي واحد، ولهذا كان أول ما قاله في الفتوحات المكية التي هي أكبر كتبه:
الرب حق والعبد حق — يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك رب — أو قلت رب أنى يكلف
وهذا مبني على أصله، فإن عنده ما ثم عبد ولا وجود إلا وجود الرب فمن المكلف؟ وعلى أصله هو المكلف والمكلف كما يقولون أرسل من نفسه إلى نفسه رسولا.
وكما قال ابن الفارض في قصيدته التي نظمها على مذهبهم وسماها نظم السلوك: إلى رسولا كنت مني مرسلا — وذاتي بآياتي على استدلت
ومضمونها هو القول بوحدة الوجود وهو مذهب ابن عربي وابن سبعين وأمثالهم كما قال:
وما زلت إياها وإياي لم نزل — ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
2ومثل هذا كثير والله أعلم.
ولذلك تجد في حلقات هؤلاء الصوفية الغلاة من الفواحش والخروج عن تعاليم الإسلام ما لا يمت إلى الإسلام بصلة؛ لأن هذه الأفعال من الاختلاط والحشيش وأنواع الفساد قد تكون مباحة في شريعة الولي مع حرمتها في شريعة النبي، ولكل شريعته.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
وحدثني الشيخ العارف كمال الدين المراغي شيخ زمانه أنه لما قدم وبلغه كلام هؤلاء في التوحيد قال: قرأت على العفيف التلمساني من كلامهم شيئا فرأيته مخالفا للكتاب والسنة، فلما ذكرت ذلك له قال: القرآن ليس فيه توحيد بل القرآن كله شرك، ومن اتبع القرآن لم يصل إلى التوحيد. قال: فقلت له: ما الفرق عندكم بين الزوجة والأجنبية والأخت الكل واحد؟ قال: لا فرق بين ذلك عندنا، وإنما هؤلاء المحجوبون اعتقدوه حراما، فقلنا: هو حرام 3عليهم عندهم، وأما عندنا فما ثم حرام .
وتتضح منزلة التكاليف عند بعض أولياء الصوفية عند الشعراني في تراجمه لكثير من أعلامهم بما لا يدع مجالاً للشك في إلحاد وزندقة هؤلاء الذين يسميهم أولياء ويترضى عنهم أيضاً.
وكمثال على ذلك ما أورده في ترجمته للشريف المجذوب حيث قال: “وكان أصله جمالاً عند بعض الأمراء ثم حصل له الجذب.. وكان له كشف ومثاقلات للناس الذين ينكرون عليه، وكان رضي الله عنه يأكل في نهار رمضان ويقول: أنا معتوق أعتقني ربي، وكان كل من أنكر عليه يعطبه في 4الحال، وكان رضي الله عنه يتظاهر ببلع الحشيش فوجدوها حلاوة، وكان قد أعطاه الله تعالى التمييز بين الأشقياء والسعداء في هذه الدار .
ومن أولئك الأولياء أيضاً بركات الخياط رضي الله عنه، كان رضي الله عنه من الملامتية.. وأخبرني الشيخ عبد الواحد رضي الله عنه أحد جماعة سيدي أبي السعود الجارحي رضي الله عنه، قال: مدحته للشيخ جمال الدين الصائغ مفتى الجامع الأزهر وجماعة فقالوا: امضوا بنا نزوره وكان يوم جمعة فسلم المؤذن على المنارة، فقالوا له: نصلي الجمعة فقال: مالي عادة بذلك. فأنكروا عليه فقال: نصلى اليوم لأجلكم، فخرج إلى جامع المارداني فوجد في الطريق مسقاة كلاب فتطهر منها، ثم وقع في مشخة حمير، ففارقوه وصاروا يوبخون الشيخ الذي جاء بهم إلى هذا الرجل، وصار الشيخ بركات 5يوبخ عبد الواحد؛ ويقول، أيش هؤلاء الحجارة الذين أتيت بهم لا يعود لك بالعادة أبداً.. وله وقائع مشهورة رضي الله عنه ..
وأمثلة أخرى كثيرة يوردها الشعراني تدل على مدى استهتار هؤلاء الأولياء -حسب زعمه- بالأخلاق والدين والتكاليف، فقد ذكر عن علي وحيش ما يخجل القلم من كتابته ويتلعثم اللسان من النطق به6 ؛ من الأعمال الفاحشة والزنا وفعله بالبهائم وصاحبها قائم أمامه، وإن لم يرض تسمر في مكانه كما يذكر الشعراني.
——————
1- مجموع الفتاوي :11-210-216
2- مجموع الفتاوى2/ 241.
3- مجموع الفتاوى2/ 245-244.
4- أنظر”الطبقات الكبرى للشعراني(2/ 150).
5- أنظر”الطبقات الكبرى للشعراني(2/ 142).
6- أنظر”الطبقات الكبرى للشعراني(2/ 149).