سوريا … شهود الزور !

لاشك أننا وصلنا اليوم في سوريا إلى مرحلة المساومات الضمنية غير المكتوبة، فالغرب الآن وإن لم ينطق بما يريد يتعامل مع الثوار بمنطق (استنزاف القوى، ومن ثم القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات معه)، ففي الوقت الذي يعي فيه الغرب أن بشار قد انتهى فعليا، يدرك في الوقت ذاته أن الثوار السوريين، لن يرضخوا لترتيباته ومخططاته، ولن ينضوا تحت رايته بسهولة، لذا فإنه يتدخل بقدر بسيط، بحيث لا يخسر الثوار، ومن جانب آخر فإنه لا يدعمهم الدعم الكافي لاسترداد سوريا المسلوبة بسرعة ودون خسائر كبيرة.
فالغرب حريص كل الحرص على بقاء الولاء السوري -الذي يمارسه بشار- للحفاظ على مصالحه، وحريص أكثر على الحفاظ على الأمن الصهيوني الذي كفله بشار؛ ومن قبل أبوه طيلة ما يزيد عن أربعين عاما.
ففي حين نرى الصوت العالي والتعاطف الأمريكي الذي لا يخرج عن حيز الصراخ والتصريحات، نرى على الجانب الآخر قوافل الأسلحة تتجه نحو بشار وجنده من كل فج ومصر دعما له، لذا ففي الحالين اللاعب الأساسي في هذه المعركة هو الغرب (كمعتدي)، فتصريحات أمريكا المتعاطفة مع الثوار تتصدر صحف العالم، وآلة القتل الروسية والصينية تعمل بلا هوادة في قتل الشعب والثوار على أرض الواقع.
وعليه فالخيارات الغربية لسوريا: إما بقاء نظام الأسد، وهو الأمر المستبعد والمرفوض من كل الأطراف، وإما رحيله وتسليمه سوريا لنظام ضعيف موالٍ للغرب، وهو المأمول (والمرجو من قِبل الغرب)، وإما الثالثة وهي الأصعب عليهم، وهي انتصار الثوار، لكن في هذه الحالة ستكون سورية كومة من الحجارة والدماء، لا نفس فيها ولا حياة.
والأحداث تثبت لنا يوما بعد يوم صدق هذا الزعم، فبعد فشل الغرب في تصوير ثوار سوريا على أنهم مجموعة من المتمردين المسلحين، ذهب ليقول أن الثوار مختلفون، وأنه لا توافق بينهم، وأننا لن ندعمهم إلا إذا توافقوا وجلسوا على طاولة واحدة، وبعد فشل هذه المناورة أيضا اتجهوا إلى عنان لحرق المزيد من الوقت، ولإطالة رحى العنف الدائرة على الشعب، وذهب الجميع ليعلق الآمال على خطة عنان المزعومة، لنخرج من خطة إلى خطة ومن مؤتمر لآخر، والخاسر الوحيد هم السوريون.
جاء عنان بخطته المخيبة للآمال ليعلن أن خطته هي الفرصة الأخيرة لمنع وقوع الحرب الأهلية في سورية، (وكأنه بشار تزيّ بزي عنان)، فمن قال إن ما يحدث في سوريا حرب أهلية؟
ومن قال إن الحرب الدائرة اليوم على الشعب السوري هي صراع بين الشعب بعضه وبعض؟
إن عنان بهذا التفكير يعيدنا جميعا للمربع صفر، وكأنه يقول يا دماء السوريين لا ثمن لكم، ويا شعب سوريا موتوا بحنقكم وغيظكم، لن ننتصر لكم، ولن نقف مع قضيتكم، حيث جاء تقرير عنان الذي أصدره مؤخرا ليساوي بين الضحية والجلاد، الضحية التي عاشت ويلات القمع والاستبداد على مدى عقود، والتي لا تملك ما تدافع به عن نفسها، وبين الجلاد الذي يُسخِّر كل إمكانات دولته لقمع ثورة هذا الشعب، ساوى عنان بين الضحية التي لولا حرب (الإبادة) الموجه إليها ما لجئت إلى السلاح، وبين الجلاد التي يتمترس بكل أنواع الأسلحة والذي يطلق شبيحته وأفراد طائفته والمرتزقة من دول الجوار (إيران ولبنان) لقتل الشعب السوري، وإبادة كل صوت معارض فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *