لقد كثر الكلام عن الوهابية في السنوات الأخيرة حتى جرت على كل لسان وطرقت كل سمع، وانتشر تداولها في الإعلام على اختلاف أنواعه بشكل غريب واقترن ذكرها بأحكام القيمة التي تر ى فيها منهجا خطيرا على البشرية.
وتداول القوم عبارات وجمل تختلف درجات قوة دلالتها قصد ترويع الآمنين وتحذير العالمين من شيء يسمى الوهابية حتى اقترن هذا المصطلح بالخوف والرعب.
هذا الذي سموه “الفكر الوهابي” -ومن عجيب أمر الله أنهم نسبوه إلى الوهاب الذي هو اسم من أسماء الله الحسنى-، إذا تأملته تجده منهجا يدعوا إلى توحيد الله عز وجل بالعبودية وتعظيم نبيه بالاتباع، ونبذ الشرك والخرافة والوثنية ونشر الفضيلة والقيم الحميدة التي فقدها المسلمون في هذا الزمان، إضافة إلى غرس قيم الشهامة في نفوس الأمة وإحساسها بالعزة والكرامة التي لا تأتي إلا بالتمسك بالإسلام الصحيح، والعض على السنة بالنواجذ، وقهر البدعة والانحرافات المنهجية والعقدية، وغير ذلك من الشرائع الربانية فعلا وتركا، ولأن العد يفوقه العِد، ولأنك لن تسرد إلا تعاليم الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم فيكفي ما تم ذكره مما تضمنه “الفكر الوهابي” كما سموه.
قد يقول قائل إنني أنتمي إلى هذا الذي نعتوه فكرا، وأني أحاول الدفاع عنه وإسباغ صفات الكمال والحسن عليه. لكن ببساطة يمكن لكل شخص أن يحكم هذا الحكم فقط عندما يقرأ ما يكتب في الصحف المحلية والعالمية، ويسمع ما يقال في القنوات الإذاعية والتلفزيونية الوطنية والعالمية، ويتأمل ما يصفون به هذا الفكر، فإنه يخرج بخلاصة واحدة؛ أن الوهابية على حد وصفهم هي الإسلام.
لكن ما السر في ذلك؟
لماذا يتهجمون على الوهابية وهي الإسلام؟
ولماذا يجعلونها في مقابل شيء عندهم يسمونه الإسلام المعتدل؟!
عند الرجوع قليلا إلى الوراء والنظر فيمن روج لهذا المصطلح على أنه دين جديد وفكر خطير على أمة الإسلام، حيث أعطاه هالة من الترويع والتخويف، نجدهم بعض الخرافيين الذين تجندوا لمواجهة دعوة الحق؛ دعوة التوحيد والصفاء والنقاء، دعوة الرجوع إلى المنبع الصافي والمعين العذب؛ الكتاب والسنة.
هذه الدعوة التي حمل لواءها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، والذي ينسبون إليه هذا الفكر عنوة وما هو إلا رجل جدد دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونهج سلف الأمة، وأعاد المسلمين إلى جادة الصواب. هذا الصواب الذي لم ترضه طوائف من بعض الخرافيين والمذاهب الضالة لأنها كانت تستفيد من بقاء الوضع مزيفا بعيدا عن الحق حتى تستعبد طوائف جمة من أمة الإسلام فكان منها ما كان.
ولقد استمر الأمر على ذلك زمانا يحذر الخرافيون ومن وراءهم الاستعمار -وقد التقت مصالحهم- مما سموه الوهابية حرصا منهم على الدين زعموا؛ وهم أبعد ما يكون عن ذلك، بل كل حرصهم على مصالحهم وخوفا من صحوة تفضح عوار المسترزقين باسم الدين، وتكشف ضلالهم للعامة والخاصة، وتثور الشعوب ضد الاستعمار الغاشم ليعود خائبا مدحورا.
وفي الزمن الحاضر حيث شغل هذا المصطلح الرأي العام في كل مكان إذ لم تخل منه جريدة أو مجلة، ولم يبق لسان إلا جرى عليه في القنوات واللقاءات والندوات.. لكن على صورة سلبية إلا فيما نذر. وعلى صورته السلبية هذه نجده خرج مزخرفا بالباطل من مؤسسة أمريكا لصناعة الدعاية وترويج الأفكار المضللة وصار بذكره الركبان.
ركبان بلداء أغبياء حملوه عن قصد أو غير قصد طوعا أو كرها ما دام لا يرد لأمريكا طلبا ولا يعصي لها أمرا، فانخرطوا في الدعاية يكررون ما سمعوا كالببغاوات إيهاما من بعضهم أنهم يفهمون في كل شيء، وسعيا من بعضهم لتحقيق مآرب خارجية يتقاضون عليها مقابلا.
لكن ماذا تريد أمريكا بهذا وماذا تقصد من ورائه؟
ببساطة ودون تكلف أو تعقيد في التحليل أقول بأن أمريكا وسدنتها لما صعب عليهم أن يصدوا الناس عن دينهم الحق الخالي من الشوائب المكدرة، وعجزوا أن يحذروهم منه بصريح العبارة وخوفا من صحوة شاملة تقلب الموازين الدولية باعتباره الخطر الأخطر بعد الخطر الأحمر، فكرت أمريكا وقدرت، فرأت أن مصطلح الوهابية الذي سخره الخرافيون لمحاربة التوحيد والسنة في الماضي يخدمها اليوم لمحاربة الإسلام ككل، وهكذا رفعت شعار محاربة الوهابية مصدر الرعب المحذق بالعالم..؟ ولفّت كما يلف الثعلب لتوقع المسلمين في شراكها من غير أن يشعروا حتى يجدوا أنفسهم قد انسلخوا من دينهم بدعوى محاربة الوهابية المتطرفة.
وهكذا أصبح التوحيد، ومحاربة مظاهر الشرك بالله فكرا وهابيا ولم يكن شرعا ربانيا، واتباع السنة كما وردت، والتحذير من البدع والضلالات فكرا وهابيا ينبغي محاربته وليس دينا أنزل من السماء، والحجاب الذي كان شريعة ثبت بالقرآن والسنة صار شريعة وهابية وفكرا ظلاميا بل كل ما حرم الله في كتابه صار تحريمه إديولوجية وهابية، وقس على هذا كل تعاليم الإسلام والتي لو حذروا منها الأمة صراحة أو حاولوا الطعن فيها لثار الناس نصرة لدينهم غيرة وحمية. كما تصبح كل محجبة منقبة عفيفة وهابية، وكل ملتح ملتزم وهابيا شاء أم أبى!
واختلطت الأمور حتى صار الناس يخشون هذا الوصف فيجتهدون في كتمان إسلامهم وإخفاء التزامهم خشية أن تلحقهم التهمة وربما أدخلتهم السجن أو جلبت عليهم العار.
إن هؤلاء المجرمين يوهمون ويأتون البيوت من ظهورها حتى يقنعوا الناس أن هناك إسلاما يجهل تفاصيله أغلب المسلمين، وهناك الفكر الوهابي الذي يروج عنه في وسائل الإعلام بشكل فج مخيف، يصفون به شرائع هي الإسلام أكثر مما يصفون بها الإسلام نفسه، فتراهم يتكلمون عن الإسلام إجمالا بعبارات من قبيل السمح والمعتدل المنفتح كما أرادوه. ثم يتكلمون عن الوهابية الفكر المنحرف في نظرهم حين يريدون إنكار التوحيد والحجاب والسنة والولاء والبراء..
وهكذا تروج تعاليم الإسلام على أنها الفكر الوهابي حتى إذا تاب الناس إلى القرآن والسنة، واطلعوا على ما كان ينعت بالوهابية من شرائع ربانية، رموا به نتيجة الخوف الذي تربى في نفوسهم بسبب الصورة التي روجت عن الفكر الوهابي المتشدد المتسلط والذي ليس إلا الوحي في النهاية. أو على الأقل يبقى الناس في واد على أنه الإسلام الذي أرادته أمريكا وأذنابها من المنافقين، والإسلام الحق الذي هو الوهابية عندهم في واد آخر.
وينتهي المسلمون بلا دين وينتهي الأعداء ممن أزعجهم وحاول مزاحمتهم في هذا الكون الذي كتب لهم أن يتحكموا فيه، حتى لا يعود للأمة المجد التليد والعز الغابر، وعليه فإذا كان الفكر الوهابي بهذا الشكل فما هو الإسلام إذن؟؟
هذا ما تفتقت عنه العبقرية الأمريكية وسوقته في مزاد الإشاعة الكاسد. لكن المؤسف أن ينخرط في الترويج له قوم كنا نعدهم من المدافعين عن الهوية والقيم ومنافحين عن الإسلام وخصوصيته، فإذا بهم ينقلبون عليه ابتغاء رضى العدو ومتاع من الدنيا زائل، فكانوا أداة هدم عوض بناء، وأبواقا للدعاية دون استحياء، فهلا انتبهوا؟
وأشد من ذلك وما يزيد في الأسى جرعة وفي القلب حرقة أن يكون ضمن هؤلاء من ينسب إلى العلماء ويا أسفاه.
وهناك آخرون اتخذوا الوطن فندقا وولاؤهم للخارج؛ يعون ما يفعلون، فهم يقومون بذلك عن سبق إصرار وترصد وربما في تقاسم للأدوار بين العدو الخارجي والداخلي.
ترى ذلك على سبيل المثال حين يقول قائلهم على ظهر جريدته أن النقاب فكر وهابي ينبغي أن يحارب!!
ويزيد إمعانا في جهله الذي يدعو إلى الشفقة أن يقول إنه يخالف المذهب المالكي المعتدل كذا زعم بل كذب!!
ولا ريب أنه وأمثاله لا يعرفون من المذهب المالكي إلا الاسم. ومن وقاحتهم تراهم في بعض الأحيان يخلطون بين ما يدعو إليه الفكر الوهابي في اعتقادهم وما يحذر منه، ويجعلون ذلك من صميم المذهب مما يدل على ترصدهم لإلحاق كل نقيصة بالإسلام عن طريق التحذير من الوهابية.
ولكن هيهات فلم تعد تنطل على مسلم عاقل حيلة، فقد أيقنا أنهم لا يريدون إلا هدم الإسلام تحت عباءة الترهيب من الوهابية التي تأملناها فلم نجدها إلا الإسلام على الوصف الذي يصفون.
وفي الختام هذا بلاغ للناس ولينذروا به والله الموفق.