إنه سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إبراهيم بيدون

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع” رواه مسلم.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر” صحيح الترمذي.
قال السندي في شرح سنن ابن ماجة: “ولما كان نبينا سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وأحمد الخلائق في الدنيا والآخرة، أعطي لواء الحمد ليأوي إلى لوائه الأولون والآخرون. وإليه الإشارة بقوله -صلى الله عليه وسلم -آدم ومن دونه تحت لوائي، ولهذا المعنى افتتح كتابه العزيز المنزل إليه بالحمد، واشتق اسمه من الحمد، فقال محمد وأحمد ،وأقيم يوم القيامة المقام المحمود ويفتح عليه في ذلك المقام من المحامد ما لم يفتح على أحد قبله ولا يفتح على أحد بعده، وأمد أمته ببركته من الفضل الذي أتاه فنعت أمته في الكتب المنزلة قبله بهذا النعت، فقال أمته الحامدون يحمدون الله في السراء والضراء ولله الحمد أولى وأخرى‏”.
فمقام النبي صلى الله عليه وسلم مقام الحمد والمقام المحمود (الشفاعة)، كما في دعائنا له بعد الآذان: “وابعثه المقام المحمود الذي وعدته”، وهذا المقام خاص به فلا يصله أحد من الخلق سواه، وهو ما يدل على رفعته وعلو مكانته، وكبير قدره، وعظيم شرفه صلوات ربي وسلامه عليه.
قال النووي رحمه الله في شرح الحديث: “والثاني أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته ليعرفوه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضاه ويوقروه صلى الله عليه وسلم بما تقتضي مرتبته كما أمرهم الله تعالى، وهذا الحديث دليل لتفضيله صلى الله عليه وسلم على الخلق كلهم، لأن مذهب أهل السنة أن الاَدميين أفضل من الملائكة وهو صلى الله عليه وسلم أفضل الاَدميين وغيرهم”.
“هو رسول من عند الله يتلقى الوحي من السماء ليربط السماء بالأرض بأعظم رباط وأشرف صلة، وهو رجل سياسة من طراز فريد، يقيم أمة ودولة من فتات متناثر، فإذا هي بناء شامخ لا يطاوله بناء، تذل الأكاسرة وتهين القياصرة وتغير مجرى التاريخ في فترة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً، وهو رجل حرب من طراز أوحد، يقود الجيوش، ويخطط للمعارك، ويتخذ غرفة للعمليات عن بُعد من أرض المعركة..
وهو أب وزوج، وربّ أسرة كبيرة تحتاج إلى كثير من نفقات الفكر، نفقات الشعور، نفقات التربية، نفقات النصح، فضلاً عن نفقات المال، فيقوم الحبيب المصطفى بهذا الدور على أعلى نسق شهدته الأرض وعرفه التاريخ.
وهو إنساني من طراز فريد، كأنه ما خلق إلا ليزيل الدموع، كأنه ما خلق إلا ليمسح الآلام عن القلوب، يمنح الناس وقته وفكره وعقله وماله ونصحه وروحه وشعوره، كأنه ما خلق إلا ليسعد الناس في الدنيا قبل الآخرة، وهو قبل كل ذلك وبعد كل ذلك فهو قائم على أشرف وأعظم دعوة شهدتها الأرض، أخذت الدعوة عقله وفكره وروحه بل ودمه، فيقوم المصطفى بهذه الأدوار كلها كأنه ما خلق إلا لكل دور من هذه الأدوار ليقوم به على أعلى نسق وأكمل صورة، فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم” (قدر النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ محمد حسان).
هو المصطفى وهو المجتبى، فلقد اصطفى الله من البشرية الأنبياء، واصطفى من الأنبياء الرسل، واصطفى من الرسل أولي العزم وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً صلى الله عليهم وسلم، واصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم ففضله على جميع خلقه، شرح له صدره ورفع له ذكره ووضع عنه وزره واصطفاه في كل شيء: اصطفاه في عقله فقال سبحانه: “مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى” (النجم:2).
اصطفاه في صدقه فقال: “وَمَا يَنطِقُ عَن الهوىَ” (النجم:3).
اصطفاه في صدره فقال: “أَلم نَشْرح لَكَ صَدْرَكَ” (الشرح:1).
اصطفاه في فؤاده فقال:”مَا كَذَبَ الفُؤادُ مَارَأىَ” (النجم:11).
اصطفاه في ذكره فقال: “وَرَفعنَا لَكَ ذكْرَكَ” (الشرح : 4).
اصطفاه في علمه فقال: “عَلَّمَهُ شَديدٌ القُوىَ” (النجم:5).
اصطفاه في حلمه فقال: “بِالمؤمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ” (التوبة:128).
اصطفاه في طهره فقال: “وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ” (الشرح:2).
اصطفاه وأرضاه فقال: “وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى” (الضحى:5).
اصطفاه في خلقه فقال: “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلقٍ عَظِيمٍ” (القلم:4).
ولقد بلغ الحبيب صلى الله عليه وسلم مبلغا مكرما ومعظما، هذه العظمة قسمها الشيخ بادحدح إلى مستوين في مقالته (عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم)، حيث قال:
أولا: العظمة الذاتية في رسول الله صلى الله عليه وسلم (وصورها):
1- أخذ العهد له صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء والرسل.
2- إعلام أهل الكتاب بصفته صلى الله عليه وسلم والتعريف به.
3- ختم النبوات بنبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
4- عموم رسالة صلى الله عليه وسلم.
5- الأقسام الربانية المتعلقة بالمصطفى صلى الله عليه وسلم.
6- رفع ذكره وتقدير جسمه صلى الله عليه وسلم.
7- التكفّل الرباني بالحفظ المتعلق به.
8- ربط الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وبطاعته ومبايعته لله رب العالمين.
9- التوقير الرباني في نداءه ومخاطبته صلى الله عليه وسلم.
10- الإجابة والدفاع عنه صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: عظمة الإنجاز في حياة النبي عليه الصلاة والسلام (من وجهين):
1- العظمة في سمو الدعوة.
2- سمو التربية الرجال الذين أخرجهم محمد صلى الله عليه وسلم. (اهـ بتصرف).
ولسوف تبقى مكانة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام سامية كريمة، ولسوف ينتشر الخير والهدى الذي أرسله الله به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107].
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه يمدح المصطفى صلى الله عليه وسلم:
أغَـرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّة ِ خَاتَمٌ مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَدُ
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ
وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلهُ فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمدُ
نَبيٌّ أتَانَا بَعْدَ يَأسٍ وَفَتْرَة منَ الرسلِ والأوثانِ في الأرضِ تعبدُ
فَأمْسَى سِرَاجاً مُسْتَنيراً وَهَادِياً يَلُوحُ كما لاحَ الصّقِيلُ المُهَنَّدُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *