تلاوة القرآن بإخراج حروفه الحرف متلوا بأخيه على سبعته ومخارجه وعلى إدغامه وإقلابه وغنته وإخفائه وقلقلته تلاوة تبدو عند الإنصات والاستماع كثمار الجنة متشابهة هي هي؛ ولكنها عند التبصر والتدبر والتذوق والتشوق يظهر فرق التنوع، حتى ليكاد المتدبر بربانية يقف على حقيقة قوله تعالى {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}.
والقرآن عند التلاوة ومتى ما احترمت القواعد ولم يشذ التالي عن المعلوم منها بالضرورة لا يمكن أن نخندق أهله أو أن نحجر واسع فضاء تلاوتهم بألقاب من قبيل سلفي وخلفي وحركي؛ أو أن نزايد بمنطق ضيق الخصوصية وقدرة اللهجات واللكنات العرفية، هذا وإننا حينما فكرنا في فتح هذا القوس والتوطيء لما بين دفتيه قد لا يخطر ببال الناظر إلى هذه السطور أننا لا نخاطب بهذا الكلام غير أهله الذين هم أسيادنا من خاصة الله أهل القرآن الذين نالوا عبر التبصر في معانيه؛ والامتثال لأحكامه وتصديق أخباره منزلة الانتساب إلى الرب؛ مصدقا لقوله تعالى: {وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}.
ولكن وعلى غير العادة وشذا عن المألوف فإننا اليوم مضطرين في بيئة يغمر أجواءها التطاول والجراءة وقلة الحياء؛ بيئة سمحت عبر منابرها الموبوءة ومحابرها المخبولة لكل حاطب ليل ورويبضة أن يقتحم عقبة كل مقدس من ديننا العظيم، مضطرين إلى أن نفتح ذلك القوس لحبر ما بين دفتيه، وهو فتح قد لا يفهم منه أن الخصم المناوئ بفكره موجود يناور ويقامر يكر علينا ولا يفر، ينال المغنم لا يمسه منا لغوب ولا سئم، ولكنه فتح القصد منه التقرب إليه سبحانه بجهاد القلم ونيل مغنم المعذرة إلى الله، ولعل القوم يرجعون عن غيهم.
وبين هذه وتلك فإننا بفضل الله ومنته يقظين حتى لا يتكلس مداد هذه الكلمة الطيبة التي اخترنا لها أن تحبر بعيدا عن لفافات الغدر وخرق الرعونة؛ وقرطاس المشاعية البهيمية؛ وصفحات أعمدة التلفيق والنبز الصفيق، وإننا نبشر كل رويبضة كذاب أشر وعند نقطة أي اقتحام لعقبة مقدسنا؛ أننا مع الكثيرين من الشرفاء ولا نزكي على الله أحدا مرابطين بصبر ومصابرة عند الثخوم، فمن ألقى السمع واقتحم سيجد له شهابا رصدا؛ وينقلب خائبا ذليلا مع طرائقه القددا؛ ليعلم بعد انقضاء عارية زمانه أي منقلب انقلب وكم فاته من خير؛ وكم من عزة وسؤدد سلب؛ وأي باب تجرأ على طرقه بصفاقة وتكالب.
نعم إننا على غير المألوف نحاور في باب التلاوة وثواب الحرف بعشرة ثمرات صنفا من الذين قال أسلافهم {لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} صنفا إذا جمعت محبورهم الحائف وقفت على فصامه النكد بل وقفت على شساعة ذلك البرزخ الذي بين هذا الصنف ومصدر تشريعنا الأول، ومع ذلك نراهم اليوم قد لبسوا جبة الفقه واستوطنوا محراب المقرأة ليتكلموا بحيف عن الخصوصية المغربية في التلاوة؛ تلك الخصوصية التي تهدد اليوم والأمس قبله وافدات القراءات المشرقية الوهابية الظلامية المتطرفة والتي احتلت بتعبير رويبضة الأحداث مساجد المملكة من أقصاها إلى أقصاها، وهو احتلال كما يحكي (ذلك الذي) لم ينتبه له إلا القلائل خلال شهر رمضان المنصرم من مريدي تراويح الشهر الفضيل والذين شكلوا استثناء من ذلك السيل الإيماني الذي اتهمه هذا الرويبضة بأنه أصيب في أذنه المغربية التي تعودت على القراءة الأجنبية!
هذا وقد تلزمنا الحكمة والانتساب إلى العبودية الحقة أن نمر على هذا اللغو كراما مردّدين امتثالا قول عباد الرحمن “سلاما”؛ غير أن هذا الامتثال قد لا يقدح في صفاءه تذكيرنا لهذا الصنف الدخيل من باب الذكرى أن قرآننا موضوع التلاوة مشرقي التنزيل؛ فهل كان قرآننا وعلى التسليم بطرحك المزعوم دخيلا أجنبيا محتلا؟!
ثم ليس من الغريب العجيب أن تروم تحجير واسع حرية القارئ الإمام وأنت من أنت؟!
أنت الذي جعلك إيمانك بالحريات الفردية لا تغار على عرض أصولك وأهلك إن هم في دائرة نعرة حريتك المزعومة راموا فعل الفاحشة؟!
أو أن الاطراد يأخذ منحى الاستثناء كلما تعلق الأمر بالإسلام وشريعته؟!
ثم دعنا لا نذهب في الوراء بعيدا ولا ننبش فيما تجاوزه الزمن من صنيعك فصار أثرا بعد عين أحصاه الله ونسيته؛ ويوم العرض يا ليت بينك وبينه أمدا بعيدا، فقد كانت كتابة مقالك المعنون إجتراء “القراءة المغربية” وبين يديه عدت إلى الأصل ولم تعمر طويلا على بساط الاستثناء، فقمت بحبر عمودك المدخون الذي تكلمت فيه عما أسميته بعلامات الرّدة التي تجتاح حسب تصورك الموبوء هذا البلد السعيد.
تكفيري أنت كنت ولا تزال بامتياز!! حكمت بالرّدة لمجرد أن شعبا ولنقل فئة من مريدي اليوتوب ترجموا حياءهم؛ وعبروا عن شعبة الإيمان التي تختلج صدورهم وهم يتصفحون أطوار خطبة أمين وليلى ورد هذه الأخيرة على الطلب بقبول فضلت أن تترجمه إلى قبلة، وحتى لا نتسفل معك فيما امتهنته من نقيصة ونتماهى مع طرحك السموم نكتفي بأن نضيف للذكرى أنك وعلى العهد والوعد صدرت يوم الاثنين 3 شتنبر بعمود دافعت من خلاله عن سلطانك المزعوم الذي جعلت تجارته حلالا مائة بالمائة يزاولها المغاربة ويتكسب منها المغاربة الذين نراك اليوم تتفانى في الدفاع عنهم وتخوض من أجلهم في كل واد؛ تهيم من القراءة المغربية إلى الخمر المحلية إلى القبلة البهيمية.. وحبل الهيام طويل عريض لصنف مريض شيّع الحياء؛ ووأد المروءة في جبانة الحداثة ولحد المروق؛ وصار بعد هذا التأبين يصنع ما يشاء.
وعليه قد لا يكون المراد من بسط هذه المتتالية التي لا يمت أولها الشريف لتاليه الأعور الكفيف؛ هو محاولة كفكفة هذا النزيف الأخلاقي بقدر ما نريد، ونحن نعلم أن المرء متى ما تكلم في غير باطله أتى بالعجائب، أن ننبه على أن خوض أمثال هؤلاء وحشر أنوفهم بعمد وسوء طوية في معترك إعادة الهيكلة والانتصار للخصوصية المغرضة؛ بل والالتقاء عبر هذا الانتصار والانحياز والمطارحة مع صناع الإصلاح الديني وإعادة الهيكلة فيه من الكفايات الفاضحة لمشروع تحجير واسعنا؛ واتهام الوافد من بلاد النبوة وأن الأمر لا يعدو أن يكون تحاملا؛ المقصود منه بعيدا عن الألقاب والمسميات التي لا تروق الكثير من أهل العلمنة والهيكلة معا؛ استهداف تركة محمد صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة وأثر لسلف الأمة، وحتى لا نسقط في التفصيل فإنه باعث على حساسية مفرطة نقف مع الإجمال؛ لنتجنب الاحتمال ونقول قد يكون المقصود لا قدر الله هو إسلامنا العظيم.