نبذة تاريخية عن عقوبة الإعدام وتنوع أشكال تطبيقه

كانت القوانين الوضعية حتى أواخر القرن الثامن عشر تنظر إلى المجرم نظرة تفيض عنفاً وقسوة، وكان أساس العقوبات المبالغة في الإرهاب والانتقام والتشهير، وكان من العقوبات المقررة المعترف بها قانوناً: الحرق، والصلب، وتقطيع الأوصال، وصلم الآذان، وقطع الشفاه واللسان، والوشم بأداة محماة في النار، ولبس أطواق من الحديد، والنفي، والجلد، والحبس.
ولم تكن العقوبات في الغالب تتناسب مع أهمية الجرائم التي قررت لها، فبالرغم من قسوة بعض العقوبات التي ذكرناها وفظاعة بعضها كانت عقوبة الإعدام جزاء لكثير من الجرائم البسيطة، فمثلاً كان القانون الإنجليزي حتى آخر القرن الثامن عشر يعاقب على مائتي جريمة بعقوبة الإعدام، ومن هذه الجرائم سرقة أكثر من “شلن” من شخص ما، وكان لقانون الفرنسي يعاقب بالإعدام على مائتين وخمس عشرة جريمة معظمها جرائم بسيطة.
وكما كان الإنسان الحي أهلاً للمسئولية والعقاب فكذلك كان الأموات، بل كذلك كان الحيوان والجماد، فكان القانون يجيز محاكمة الإنسان حياً ويجيز محاكمته ميتاً، ويجيز محاكمة الحيوان والجماد، ويجيز توقيع العقوبة على الإنسان الحي الذي يحس ويتألم ويفكر ويعقل، كما يجيز توقيع على جثث الأموات الذين فقدوا الإحساس بالألم وخرجوا من دنيا التفكير والتعقل، بل كان يجيز توقيع العقوبة على الحيوان الأبكم الذي لا يستطيع التفكير في جريمته والدفاع عن نفسه، ويجيز توقيعها على الجماد الذي لا يحس بالجريمة ولا يشعر بالمحاكمة ولا يتألم من العقوبة.
عقوبة الإعدام في أوروبا
وعقوبة الإعدام ملغية حاليا من دساتير الدول الأوربية في كافة الأحوال سواء جنائية أو سياسية أو دينية، حيث أنه تم تنفيذ أخر حكم إعدام في بريطانيا على سبيل المثال في 13 غشت عام 1964، في حين أن عقوبة الإعدام بقيت قانونيا سارية المفعول في حالة الخيانة العظمى حتى عام 1998 في بريطانيا إلا أن آخر تنفيذ عملي لها كان 1947. ويعتبر إلغاء بند الإعدام من الشروط الأساسية للانضمام للاتحاد الأوربي.
عقوبة الإعدام في الإسلام
عقوبة الإعدام موجودة في الشريعة الإسلامية في حال ثبوت جريمة القتل ضد شخص ما كما أنها تحدث في شروط معينة و صارمة عند ثبوت حالات معينة من الزنا أو اللواط أو الردة.
كيفية تنفيذ العقوبة
يتم تنفيذ عقوبة الإعدام عموما بطرق عدة منها:
الشنق: كما يجري في بعض الدول العربية مثل مصر والعراق والكويت وسوريا.
الحرق: كما في محاولة حرق سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، و كما كان يتم حرق النساء المتهمات بأنهن ساحرات في العصور الوسطى في أوروبا.
الصلب: كما في صلب من شبه لليهود بنبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام.
الرجم: وهي إحدى طرق الإعدام في الإسلام، كما أنها استعملت قبل ظهور الدين الإسلامي في بعض المجتمعات.
التسميم: (شرب السم) كما كان يجري في اليونان القديمة.
الرمي بالرصاص: كما يتم لإعدام العسكريين.
الكرسي الكهربائي: كما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية.
غرفة الغاز: كما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية.
الحقنة السامة: كما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية.
القصاص بالسيف: كما في الشريعة الإسلامية ويتم تنفيذها بالمملكة العربية السعودية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن عقوبة القطع بالنسبة للسرقة مثلا طبقت في بريطانيا حيناً ما، وكانت العقوبات الجنائية فيها في غاية القسوة وفاقت الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام المائة ولم يكن يستثني حتى الأطفال منها، وفي القرن السادس قبل الميلاد كانت بعض الولايات اليونانية تعاقب بالموت من يسرق تفاحة… وفي الدول الاشتراكية كان القتل هو عقوبة السرقة، وقد روت صحيفة أخبار اليوم (عدد 3 شوال 1415 هـ– 4 مارس 1995م) تحت عنوان “المؤبد عقوبة سرقة البيتزا في أمريكا” وجاء فيه (ص 10) :”لوس أنجلوس – وكالات الأنباء : صدر حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عاماً ضد الأمريكي “جيري ويليامز” بتهمة سرقة قطعة “بيتزا” من بعض الأطفال وهي نفس العقوبة التي يحددها القانون لجريمة الاغتصاب، وقد رفضت المحكمة اعتراض محامي المتهم على العقوبة باعتبارها لا تتناسب مع الجرم الذي ارتكبه “ويليامز” وقالت إن المتهم من أصحاب السوابق وسبق إدانته في أربعة جرائم سرقة من قبل.
وكان المتهم قد قبض عليه بعد أن اختطف قطعة من فطيرة “البيتزا” من أربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 7 و15 سنة، وقال ممثل الإدعاء إن ما ارتكبه المتهم هو جريمة سرقة بالإكراه، ووفقاً لقانون كاليفورنيا فإن تكرار ارتكاب جريمة السرقة – بصرف النظر عن حجمها – يجعل من حق النيابة اعتبارها جناية”.
والإشارة التي جاءت في هذا النبأ عن أن المتهم سبق إدانته في أربع جرائم سرقة من قبل تبرز لنا إحدى الحقائق الهامة وهي أن الغالبية العظمى من المجرمين هم من الذين سبق لهم اقتراف جرائم وحكم عليهم بالسجن وأن بعضهم مسجل “كشقي خطر” وأن جريمة السجن لا يمكن أن تكون عقوبة رادعة، بل إن السجن نفسه هو في معظم الحالات مدرسة الإجرام، فإذا لم يكن السجن هو العقوبة الرادعة – فليس إلا القطع أو الجلد التي قررها الإسلام، ولعلها أن تكون عند احتساب الأبعاد العديدة للموضوع – أرحم من السجن للمتهم نفسه وللمجتمع أيضاً.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *