العلمانيون خليفة المستشرقين في الطعن في الصحابة

من الوسائل التي اتخذها أعداء الإسلام للطعن في السنة وإسقاط الثقة بها، الطعن في حَملة الأحاديث ورواة السنن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى شككوا في عدالتهم عموماً، وكالوا التهم والافتراءات لبعضهم على وجه الخصوص، وغرضهم من ذلك تقويض صرح الإسلام، وزعزعة الثقة بأصوله، فإن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين أبلغونا هذا الدين، وإذا زالت الثقة بهم أصبح كل الذي بين أيدينا مشكوكاً فيه، ورحم الله الإمام أبا زرعة الرازي حين قال: “إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى؛ وهم الزنادقة” اهـ.

فقد نسب المستشرقون الوضع في الأحاديث إلى رجال الإسلام القدامى، ويعنون بذلك جيل الصحابة.
يقول المستشرق اليهودي “جولد زيهر”: “ولا نستطيع أن نعزو الأحاديث الموضوعة للأجيال المتأخرة وحدها، بل هناك أحاديث عليها طابع القدم، وهذه إما قالها الرسول أو هي من عمل رجال الإسلام القدامى”، ثم قال: “وقد اعترف أنس بن مالك الذي صاحب الرسول عن قرب عشر سنوات، عندما سئل عما يحدث عن النبي هل حدثه به فعلاً؟ فقال: “ليس كل ما حدثنا به سمعناه عن النبي ولكننا لا نكذب بعضنا”!!
وطالب من اقتفى خطى المستشرقين وسار على دربهم من المستغربين والعلمانيين بعدم تمييز الصحابة عن غيرهم، وإسقاط عدالتهم ووضعهم في ميزان النقد والجرح والتعديل كما يوضع غيرهم.
قال أحمد أمين في فجر الإسلام: “وأكثر هؤلاء النقاد -أي نقاد الحديث- عدلوا الصحابة كلهم إجمالا وتفصيلاً، فلم يتعرضوا لأحد منهم بسوء، ولم ينسبوا لأحد منهم كذباً، وقليل منهم من أجرى على الصحابة ما أجرى على غيرهم.. إلى أن قال: وعلى كلٍّ فالذي جرى عليه العمل من أكثر نقاد الحديث -وخاصة المتأخرين- على أنهم عدلوا كل صحابي، ولم يرموا أحداً منهم بكذب، ولا وضع، وإنما جرحوا من بعدهم”.
وقد تبعهم على هذا الطريق المنحرف المدعو مصطفى بوهندي؛ وارتسم لنفسه منهجا للطعن في الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه والصحابة أجمعين بنفي العدالة عنهم، وادعى أننا “نحن المسلمين في حديثنا عن الصحابة، نذكر إيجابياتهم ونغمض أعيننا عن سلبياتهم، فكيف بمن ليسوا صحابة حقيقة؟ وهذا من الغلو في الدين وينطبق عليه قول الله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون)”.
وكلام حملة هذه اللوثة العقدية نسخة طبق الأصل من كلام المستشرقين من أمثال “جولدزيهر” و”شبرنجر”، وكلام عبد الحسين شرف الدين العاملي الشيعي الذي افترى على أبي هريرة أكاذيب خدمة لنحلة الرافضة، حتى انتهى إلى تكفيره.
فتعديل الصحابة رضي الله عنهم وتنزيههم عن الكذب والوضع، هو مما اتفق عليه أئمة الإسلام ونقاد الحديث من أهل السنة والجماعة، ولا يعرف من طعن فيهم وشكك في عدالتهم إلا الروافض والخوارج والنواصب من أصحاب الأهواء والفرق الضالة المنحرفة ممن لا يلتفت إلى أقوالهم في هذا الباب.
ذلك أن الله تعالى عدلهم في كتابه، وأثنى عليهم ومدحهم في غير ما آية تشيد بفضلهم ومآثرهم، وصدق إيمانهم وإخلاصهم، وأي تزكية بعد تزكية الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء؟!
كما عدلهم رسوله صلى الله عليه وسلم وبين منزلتهم، ودعا إلى حفظ حقهم وإكرامهم، وعدم إيذائهم بقول أو فعل، وأجمع المسلمون من أهل السنة والجماعة على عدالتهم وفضلهم وشرفهم.
قال ابن عبد البر رحمه الله كما في الاستيعاب: “قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أنهم كلهم عدول”.
وقال ابن الصلاح في مقدمته: “ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتنة منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحساناً للظن بهم، ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة” أهـ.
وقال الإمام الذهبي: “فأما الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي، وإن جرى ما جرى..، إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوه العمل، وبه ندين الله تعالى”.
والزعم بأن أكثر النقاد عدَّلوا الصحابة مغالطة وتلبيس، لأن النقاد كلهم قالوا بتعديل الصحابة وليس أكثرهم، والذين تكلموا في الصحابة ليسوا من نقاد الحديث، بل من أصحاب الميول المعروفة في التاريخ الإسلامي بالتعصب والهوى والابتداع في الدين، لتمرير بدعهم وترويج انحرافهم، حيث لم يجدوا لذلك سبيلاً إلا بالطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *